عبدالله محمد الشيبة

تتضمن الاستراتيجية التي وضعها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، لعام الخير، ثلاثة محاور أولها ترسيخ المسؤولية المجتمعية في مؤسسات القطاع الخاص لتؤدي دورها في خدمة الوطن والمساهمة في مسيرته التنموية. والمسؤولية المجتمعية هي نظرية أخلاقية تركز على أن أي كيان، سواء كان منظمة أو فرداً، يقع على عاتقه العمل لمصلحة المجتمع ككل. وبالتالي فهي أمر يجب على كل منظمة أو فرد القيام به للحفاظ على التوازن ما بين احتياجات وتطلعات أفراد المجتمع والاقتصاد. والمسؤولية المجتمعية المقصودة من خلال «عام الخير» هي السلوك والمبادرات والمشاريع والبرامج التي يجب على القطاع الخاص القيام بها من أجل تحقيق أهداف المجتمع بشكل مباشر.

وقد ترسخ الدور الاستراتيجي لمؤسسات القطاع الخاص في المساهمة في التنمية الاقتصادية على المستوى العالمي من خلال الاتفاق العالمي للأمم المتحدة، الذي عرّف «المسؤولية المجتمعية» على أنها «ربط اتخاذ القرارات في مؤسسات الأعمال بالقيم الأخلاقية، وبالامتثال للاشتراطات القانونية، وباحترام الأشخاص، والمجتمعات المحلية، والبيئة».

ويتضمن «الاتفاق» عشرة مبادئ من أبرزها ضرورة احترام القطاع الخاص مبادئ حقوق الإنسان المعلنة دولياً، وضمان عدم ضلوع الشركات في أي انتهاكات لحقوق الإنسان.

ثم جاء إعلان المنظمة الدولية للتوحيد القياسي (ISO) لتعريف «المسؤولية المجتمعية» بأنها «الأفعال التي تقوم بها المؤسسة، لتحمل مسؤولية آثار أنشطتها، على المجتمع والبيئة، حيث تكون هذه الأفعال متماشية مع مصالح المجتمع والتنمية المستدامة، وتكون قائمة على السلوك الأخلاقي، والامتثال للقانون المطبق والجهات العاملة في ما بين الحكومات، وتكون مدمجة في الأنشطة المستمرة للمؤسسة». كما عرّف البنك الدولي «المسؤولية المجتمعية» بأنها «التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة، من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل، لتحسين مستوى معيشة الناس، بأسلوب يخدم التجارة، ويخدم التنمية في آن واحد».

كما عرّف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة «المسؤولية المجتمعية للمؤسسات» بـ«الالتزام المستمر من قبل مؤسسات الأعمال، بالتصرف أخلاقياً، والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، إضافة إلى المجتمع المحلي والمجتمع ككل». أما مؤسسة العمل الدولية، فتعرّف «المسؤولية المجتمعية للمؤسسات» بأنها «المبادرات الطوعية التي تقوم بها المؤسسات، علاوةً على ما عليها من التزامات قانونية. وهي طريقة تستطيع أن تنظر بها أي مؤسسة في تأثيرها على جميع أصحاب المصلحة المعنيين، وتعد المسؤولية المجتمعية للمؤسسات تكملة للوائح الحكومية، أو السياسة المجتمعية، وليست بديلاً عنهما».

إذن نحن أمام مفهوم دولي تتم ممارسته على المستوى الدولي وليس بالأمر الغريب على مجتمعنا، إذ إنه قد ثبت دولياً أن التنمية الاقتصادية في المجتمعات الحديثة أصبحت لا تقوم فقط على جهود وبرامج القطاع الحكومي بل أصبح للقطاع الخاص دورٌ مهم في المشاركة الجادة، لإحداث التطور على كل المستويات في المجتمع، وذلك غير ما انتشر في الماضي من دور غير حيوي لمؤسسات القطاع الخاص، في المشاركة في التنمية المجتمعية. والملاحَظ أنه على المستوى العالمي خصوصاً في المجتمعات المتقدمة صناعياً وتجارياً، أصبح هناك ترسيخ لأسس تعاون متوازن ما بين كل من الدولة، والقطاع الخاص، والمجتمع، في تحقيق التنمية، دون الاعتماد كلياً على جهة واحدة. وبالتالي اختفت مظاهر العطاء العشوائي، غير المنظم، وغير المحدد الهدف، وأصبح للمؤسسات الكبيرة دورٌ تنموي رئيسي، وأصبحت المشاركة في التنمية جزءاً لا يتجزأ من نشاطاتها.

وبالتالي فإن دولة الإمارات قد رسَّخت، من خلال الإعلان عن عام الخير، مبدأ دولياً تطبقه الدول المتقدمة ويقوم القطاع الخاص من خلاله، طواعيةً وانطلاقاً من مسؤوليته المجتمعية، بتنفيذ مبادرات تسهم في التنمية الاقتصادية بما يعود بالفائدة على الجميع، ولا يُلقي بالعبء كله على القطاع الحكومي فقط.