جميل الذيابي

ماذا يعني أن يقرر الجيش الأمريكي نشر مئات من قوات المارينز في مقاطعة هلمند (جنوب غربي أفغانستان) خلال الربيع القادم؟

أليست بمثابة انتكاسة كبيرة لسياسات باراك أوباما، حيث انتخب أوباما في 2008، وأعيد انتخابه في 2012، على وعد تصفية الوجود الأمريكي في أفغانستان. وتمثل هلمند تحدياً كبيراً، لأنها كبرى مقاطعات إنتاج الأفيون في أفغانستان، الذي بلغ في 2016 ما يراوح بين 4800 و6 آلاف طن، بل زادت مساحته المزروعة بنسبة 10% خلال 2015-2016. ويضاف لذلك تمدد سيطرة حركة «طالبان»، التي أضحت تسيطر على 64% من أراضي البلاد. وعندما انسحب الأمريكيون من هلمند في عام 2014 كانت تلك

مواضيع أخرى

البلديات تعيد إنتاج مشكلاتها إلكترونياً

النسبة تبلغ 68%.

أمريكا تعود لهلمند بعد غياب نحو عامين، إذ سحبت قواتها من هناك في 2014. وتنصب وعود أوباما لناخبيه على سحب جميع القوات الأمريكية بحلول 2014، والاكتفاء ببقاء ألف جندي فقط في العاصمة كابول. لكن الهجمات الشرسة من «كوكتيل» القاعدة - طالبان أرغمها على إبقاء 5400 جندي. ويعني ذلك أن حرب أفغانستان باقية، ومستمرة، وسيكون الإرهاب القادم من هناك صداعاً لكل حكومات العالم حتى إشعار آخر. ومثلما عجز أوباما عن الوفاء بأهم وعوده لناخبيه، وهو إغلاق سجن غوانتانامو، ها هو يغادر الرئاسة مُخلِفاً وعداً آخر بسحب قوات بلاده من أفغانستان، وتركها لتواجه مصيراً محتوماً في بلاد تضاريسها أشد عداوة من متمرديها وتجار الأفيون... نعم؛ لم يتغير شيء هناك. فقد بقيت «طالبان»، و«القاعدة»، وتوسعت زراعة الأفيون!

غير أن أوباما الأضعف بين رؤساء أمريكا، يقترب موعد مغادرته البيت الأبيض في وقت باتت غالبية الأمريكيين تكاد ترى زمجرة حرب عالمية ثالثة، بحسب ما ذكرت نتيجة استطلاع أجرته مؤسسة «يو غوف»، وشمل مواطني تسع دول غربية. وهو بلا شك وضع سيرثه الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لاستعادة الهيبة الأمريكية.

لكنه أيضاً هناك تركة يتحمل تبعاتها أوباما، فهو سينسحب من المشهد و«داعش» لا يزال ينشر الرعب والدم والموت في العالم. كما أن قيصر روسيا القوي فلاديمير بوتين يكاد يكون حقق حلمه باستعادة الإمبراطورية الروسية، والاتحاد السوفيتي السابق، بل أضحى قادراً - بحسب اتهامات أجهزة الاستخبارات الأمريكية - على زعزعة العمليات الانتخابية في أمريكا وحليفاتها الغربيات.

وإذا كانت روسيا ليست بعيدة جغرافياً عن عالمنا العربي كما هي أمريكا، فإن أسوأ جانب في تركة أوباما أن واشنطن أضحت متفرجة على الحرب في سورية، بعدما كانت المنطقة تعلق عليها آمالاً كبيرة بأن تتصدر جهود حل الأزمة سلمياً أو عسكرياً. يمضي أوباما في سبيله، ليكتب مذكراته، ويؤلف وينظّر في القانون، لكنه سيترك من ورائه عالماً يغلي كالمِرْجَل في كل أرجائه. ويترك خيبة أمل كبيرة في نفوس العرب والمسلمين، فلا هو أوفى بوعوده في خطابه الشهير للعالم الإسلامي من تحت قبة جامعة القاهرة، ولا هو قدم حلاً للقضية الفلسطينية، ولا هو تدخل بأدنى قدر لإنقاذ أرواح السوريين الذين يبيدهم نظام بشار الأسد، بدعم من إيران. ولا هو حقق استقراراً في أفغانستان.

الأكيد أن أوباما أسوأ رئيس أمريكي يغادر البيت الأبيض والعالم يغلي، بسبب ضعف سياساته وتذبذب مواقفه وتناقض أقواله، فقد جاء محملاً بالوعود، وانقضت فترة رئاسته ولم ينجز أياً منها، عدا إضعاف هيبة بلاده وجلب الخيبات بإطلاق يد إيران والارتهان لها بتوقيع الاتفاق النووي، وتشجيع سياساتها التخريبية في منطقة الشرق الأوسط.

ويحق القول إن ابن حسين يغادر البيت الأبيض وكل شيء للأسوأ وبلا تغيير.. حتى غدا المتفرج يندب على مآسي الأمم والشعوب.. لذلك، ماذا سيكتب في مذكراته سوى عتمة ثماني سنوات عجاف على العالم.