زياد الدريس

هل تعلم ما هو آخر خطاب تسلمه السيد بان كي مون قبل خروجه من مكتبه يوم ٣٠ كانون الأول (ديسمبر)، منهياً مهمته في الأمم المتحدة؟

إنه خطاب من مندوب الحكومة الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة، يخبر الأمين العام بقرار حكومته الامتناع عن دفع مبلغ ستة ملايين دولار من مساهمة إسرائيل العادية لهذا العام ٢٠١٧ وذلك تعبيراً عن امتعاضها من «تحيز» الأمم المتحدة ووكالاتها ضد إسرائيل، وخصوصاً في الآونة الأخيرة.

تصاعَدَ الغضب الإسرائيلي وبلغ ذروته، أو ربما بقي القليل ليبلغها، بعد التصويت المفاجئ والمذهل على قرار مجلس الأمن يوم ٢٣ كانون الأول الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي. وأتت المفاجأة من نتيجة التصويت، إذ صوّت 14 عضواً بالتأييد، فيما لم تصوت الولايات المتحدة ضده، بل امتنعت فقط عن التصويت!

تحولات الموقف من إسرائيل مؤخراً، خصوصاً في المنظمات الدولية، تتزايد في تباعدها عن التغاضي والحماية التي ألفتها طوال السبعين سنة الماضية، وتتجه نحو منحى آخر أكثر إنصافاً للحقوق الفلسطينية، أو على الأقل أقل تحيزاً مع الاحتلال الإسرائيلي.

يجب أن لا ننسى الدور الذي قامت به منظمة «اليونيسكو» في كسر الحاجز النفسي ضد مواجهة إسرائيل في المنظمات الدولية، وذلك حين قامت في العام ٢٠١١ باتخاذ قرارها التاريخي الشهير بالاعتراف بدولة فلسطين ورفع علمها على سارية المنظمة بجوار أعلام الدول الأخرى... سواء بسواء. وهو الأمر الذي قامت بفعله أيضاً الأمم المتحدة ولكن بعد أربع سنوات من مبادرة «اليونيسكو».

شكّل قرار «اليونيسكو» حينذاك منعطفاً نوعياً في طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع قضية فلسطين. وكنت قد توقعت أن تتوالى الإرهاصات النابعة من القرار «اليونيسكي»، وذلك في تعليقي الذي قلته في أعقاب تصويت «اليونيسكو» حينذاك، وفيه: «هذا الحدث ليس نهاية المطاف ولكنه يمثل خطوة أولية وهامة على طريق البداية، سوف تتبعه خطوات أخرى لا بد من اتخاذها والسعي نحوها بشكل يؤكد على الحق الفلسطيني».

وبالفعل، فالتداعيات تتوالى مثقلةً كاهل الحكومة الإسرائيلية التي باتت تشعر بأنها مطاردة في المنظمات الدولية، بعد أن انكسر حاجز الهيبة القديم عن ذلك. والقرارات المتوالية في شأن القدس والمسجد الأقصى ثم الاستيطان تشكّل ضغطاً ليس بالهيّن على العورة الإسرائيلية التي كانت تتوارى بأوراق توت الحلفاء!

قرارات (الحبر على ورق) الصادرة عن المنظمات الدولية باتت مقلقة للدولة الإسرائيلية ومهددة للاستقرار فيها.

والذين انتقصوا من قيمة اعتراف «اليونيسكو» بدولة فلسطين ورفع علمها في العام ٢٠١١ عليهم مراجعة تقييمهم.