وحيد عبد المجيد

سيكون صعباً على الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أن يلتزم بكل المواقف التي تبناها في حملته الانتخابية، رغم أن معظم من اختارهم لشغل المواقع الأساسية في إدارته يعطون انطباعاً بأنهم اختيروا وفقاً لهذه المواقف. فقد اتسمت حملة ترامب بصخب شديد ولغة عنيفة، وعبرت مواقف كثيرة طُرحت فيها عن انفعالات يصعب أن تُبنى عليها سياسات. وربما كان هذا مقصوداً لإثارة حماسة الناخبين الناقمين على المؤسسة السياسية التقليدية. وعندما نضيف إلى ذلك طبيعة شخصيته، وخلفيته اللاسياسية، ونمط حياته، يمكن فهم الطريقة التي تحدث بها، سواء من حيث الشكل الفج والمحتوى الصادم.

لذلك، فبعد انتهاء الحملة الانتخابية، بدت علامات اختلاف في منهجه منذ الخطاب الذي ألقاه عقب فوزه «خطاب النصر». فقد أعلن أنه سيكون رئيساً للأميركيين جميعاً، بعد أن صب خلال حملته اللعنات على السود واللاتين والمسلمين منهم. كما أسرع إلى إدانة اعتداءات حدثت ضد أشخاص من الأقليات، وطالب في مقابلة بثتها شبكة «سي. بي. سي» في 16 نوفمبر الماضي، مرتكبيها بالتوقف، لأنه يريد توحيد البلاد.

وتبع ذلك سعي بعض مساعديه إلى تخفيف المخاوف المترتبة على إعلانه طرد المهاجرين غير الشرعيين، بينما بدا أنه لن يكون سهلاً عليه تمرير موقفه هذا في الكونغرس. ورغم أنه واصل حديثه عن ترحيلهم، فقد ركَّز بعد انتخابه على ذوي السجل الإجرامي.

وفي مقابل هذا التراجع الجزئي، نكص ترامب عن التزامه بإلغاء زواج المثليين، مستنداً إلى أن المحكمة العليا حسمت هذا الملف. وأبدى مرونة تجاه ملف التأمين الصحي. فبعد أن تحدث في حملته عن إلغاء برنامج «أوباما كير»، اتجه إلى حل وسط يتمثل في الإبقاء على بعض بنوده. وكذلك الحال بالنسبة إلى تعهده ببناء سور كبير على طول الحدود مع المكسيك لمنع الهجرة منها، حيث تغير موقفه جزئياً عندما تحدث عن إجراءات لضبط هذه الهجرة تشمل جدراناً في بعض المناطق الحدودية.

لكن ترامب تمسك بموقفيه ضد الإجهاض، ومع تسهيل حصول الأفراد على أسلحة شخصية. وهما موقفان كانا موضعاً لأكثر السجالات سخونة خلال الحملة الانتخابية. وربما يدل اختياره الجنرال جيمس ماتيس وزيراً للدفاع على أنه متمسك بالتزامه مواجهة الخطر الإيراني، لأن ماتيس معروف بمواقفه القوية ضد سياسات طهران ومشروعها النووي.

غير أن الموقف الذي ما زال العالم ينتظر ما إذا كان ترامب سيراجعه، وإلى أي مدى، هو ذلك الخلط بين السياسة و«البزنس» في مطالبته حلفاء الولايات المتحدة بإنفاق ما يكفي للدفاع في مناطقهم. ولا ينطبق ذلك على دول عربية فقط، بخلاف ما بدا في بعض وسائل الإعلام، بل على أوروبا أيضاً وربما أكثر من غيرها، لأن الولايات المتحدة تتحمل نحو 70% من تكلفة الدفاع عنها من خلال «الناتو».

وربما يدرك ترامب عندما يطلع على الملفات أن أميركا لم تتحمل شيئاً نيابةً عن حلفائها العرب. فقد تحملت الدول الخليجية تكلفة حرب تحرير الكويت، أو على الأقل معظمها، لأنها كانت دفاعاً عن أمنها. وليس منطقياً أن تتحمل تكلفة حرب لا علاقة لها بأمنها، مثل تلك التي شنتها أميركا مع بريطانيا على العراق. ويبدو أنه يدرك ذلك لأنه تحدث عن استرداد تكلفة هذه الحرب من العراق تحديداً.

والأرجح أن تكون سياسة إدارة ترامب تجاه «الناتو» هي الاختبار الحقيقي لموقفه تجاه قضايا الدفاع. لذا طالبته وزيرة الدفاع الألمانية «أورسولا فون دير» بعيد انتخابه بتوضيح هذا الموقف، وعبرت عن أملها في أن يوضح له مستشاروه أن «الناتو» ليس شركة تجارية حتى يحاول أن يكسب منها. وربما يوضح له بعضهم أيضاً أن ما قاله مؤخراً عن زيادة القدرات النووية الأميركية لا ينسجم مع التزامه الانتخابي بدعم العلاقات مع روسيا، بل قد يجعلها أكثر توتراً.

والحال أن ترامب يقترب الآن من البيت الأبيض، ويراجع بعض طروحاته التي بدت كما لو أنها طلقات متفرقة في انتخابات حوَّلها إلى ما يشبه ساحة حرب. لكن نتائج هذه المراجعة ستظهر تدريجياً، وقد لا تكتمل قبل منتصف العام.