إبراهيم حميدي 

مفاوضات آستانة في ٢٣ الشهر الجاري، محطة تقتصر المشاركة فيها على ممثلي الفصائل المسلحة المعارضة والجيش النظامي السوري برعاية روسية - تركية وحضور دولي محدود لتثبيت وقف النار وإقرار مبادئ الحل السياسي تمهيداً لـ «عقد» مفاوضات «جنيف٤» في ٨ الشهر المقبل بين ممثلي الحكومة و «وفد موحد» من المعارضة تلعب «الهيئة التفاوضية العليا» دوراً قيادياً لبحث خريطة طريق تشمل مجلساً عسكرياً مشتركاً برئاسة شخصية مقبولة تنظم السلاح وتوحّد البندقية ضد الارهاب و «حكومة وفاق وطني» برئاسة شخصية مقبولة تمهّد لدستور جديد تجري بموجبه انتخابات محلية وبرلمانية مبكرة و «ربما» رئاسية.

هذه هي العناوين الأساسية لتفاهمات موسكو وأنقرة بقبول إيراني حذر وإقليمي ودراية من واشنطن والمبعوث الدولي الى سورية ستيفان دي ميستورا. لكن اللمسات الأخيرة لا تزال بين أخذ وردّ ما استدعى عقد اجتماع بين مسؤولين أتراك وقادة فصائل مسلحة في انقرة ودعوة ممثلي قوى سياسية وعسكرية إلى لقاء ثلاثي ضم مسؤولين من روسيا وتركيا يوم أمس.

وأسفرت محادثات بين مسؤولين روس وأتراك شارك في بعضها قادة سياسيون وعسكريون معارضون بالتزامن مع محادثات أجراها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في موسكو عن الاتفاق على أن تقتصر الدعوة على ممثلي سبع كتل عسكرية معارضة كان قادتها وقعوا نيابة عن ١٣ فصيلاً اتفاق وقف النار نهاية الشهر الماضي لحل الخلافات العميقة ازاء كيفية تشكيل وفد المعارضة ورفض موسكو قيادة «الهيئة التفاوضية» ورفض أنقرة مشاركة «الاتحاد الوطني الكردي».

ووفق مصادر متطابقة، فإن مفاوضات آستانة ستتناول نقاطاً محددة انطلاقاً من مسودات وثائق وضعها الطرفان الضامنان (روسيا وتركيا)، وتشمل تثبيت وقف النار وآليات معالجة خروقات وقف النار وتبادل خرائط خطوط التماس بين القوات النظامية والمعارضة وقتال «داعش» و عزل «فتح الشام» (النصرة سابقاً).

ولا تزال صيغة المفاوضات عالقة بين موسكو وانقرة، إذ إن جهوداً تبذل لعقد مفاوضات مباشرة في غرفة واحدة بين وفدي الجيش السوري والمعارضة المسلحة بحيث يكون «أول اعتراف رسمي من دمشق بشرعية هذه الفصائل وبأن الأزمة في البلاد سياسية وليس محاربة إرهاب»، وفق مسؤول غربي. وأضاف: «تحاول موسكو إقناع دمشق وطهران بأن قبول فصائل مسلحة في الحل السياسي، هو ثمن يجب دفعه للمضي قدماً خصوصاً أن موسكو سبق وأن خطت هذه الخطوة لدى لقاء ممثلي الجيش الروسي والاستخبارات العسكرية بقادة هذه الفصائل في تركيا» الشهر الماضي.

 

مبادئ الحل السياسي

ويتضمن جدول المفاوضات وثائق أخرى عن مبادئ المصالحات الوطنية وإعادة الإعمار، إضافة الى وثيقة تناولت مبادئ الحل السياسي. ووفق مسؤول، فإن الوثيقة السياسية تنطلق من البيان الذي وقعه وزراء روسيا وتركيا وايران (تحفظت طهران عن بنود فيه) ووثيقة أعدها دي ميستورا بناء على المفاوضات غير المباشرة بين وفدي الحكومة و «الهيئة التفاوضية» في جنيف بداية العام الماضي.

وكانت وثيقة دي ميستورا، التي حصلت «الحياة» على نصها وشكلت نقاط تقاطع بين وفدي الحكومة والمعارضة، ضمت ١٣ بنداً، بينها «احترام سيادة واستقلال سورية ووحدتها» وأن «السوريين وحدهم يقررون مستقبلهم بوسائل ديموقراطية وصناديق الاقتراع من دون تدخل أو ضغط خارجي».

ونصت أيضاً على أن سورية «ديموقراطية ودولة غير طائفية على أساس مبدأ المواطنة والتعددية السياسية ومشاركة جميع مكونات الشعب السوري وحكم القانون». ويتوقع أن تكون هذه النقطة محل خلاف بين فصائل تتمسك بـ «علمانية سورية» وأخرى إسلامية تقترح «مدنية». وتشمل البنود الأخرى «رفض التمييز مقابل الحماية الكاملة لكل المجموعات» وضمان ٣٠ في المئة لتمثيل النساء.

ويعتقد أن البند المتعلق بمستقبل مؤسسات الدولة سيكون أيضاً موضوع خلاف. إذ نص على «استمرار وإصلاح مؤسسات الدولة والخدمات العامة وإجراءات حماية المؤسسات العامة والخاصة... ومحاربة الفساد والتوافق مع قواعد حقوق الإنسان»، ذلك أن فصائل معارضة تقترح «إعادة هيكلة» أو «تفكيك» بعض مؤسسات الجيش والأمن ما سيثير أيضاً جدلاً حول دور الجيش إذ نصت الوثيقة على «التزام إعادة بناء جيش قوي وموحد ووطني عبر نزع سلاح ودمج أعضاء في المجموعات المسلحة التي تدعم العملية الانتقالية والدستور الجديد. والدولة ومؤسساتها بعد إصلاحها، ستحتكر السلاح»، إضافة الى ذكر «محاربة الارهاب والتنظيمات الإرهابية والأشخاص المصنفين بموجب مجلس الأمن الدولي» (داعش والنصرة).

وإذ تضمنت الوثيقة بنوداً تتعلق بإطلاق المعتقلين والسجناء السياسيين وإعادة الإعمار والمصالحة، قالت: «بموجب القرار ٢٢٥٤، فإن الانتقال السياسي يجب أن يتضمن آليات لحكم ذي صدقية وغير طائفي وشامل، وبرنامجاً وعملية لصوغ دستور جديد وانتخابات حرة وعادلة بموجب الدستور الجديد بإدارة وتحت إشراف الأمم المتحدة بما يحقق رضى الحكم الجديد وأعلى المعايير الدولية قي خصوص الشفافية والمحاسبة بمشاركة كل السوريين بمن فيهم سوريو الشتات المخول لهم بالمشاركة» لتوفير بيئة مستقرة وهادئة لـ «الانتقال السياسي».

 

«جنيف 4»

في حال حققت أهداف مفاوضات آستانة بحضور ممثل دولي قد يكون السفير رمزي عزالدين رمزي نائب المبعوث الدولي، فإنها ستكون «محطة لبناء الثقة وتثبيت وقف النار» قبل الانتقال الى تنفيذ الإطار السياسي في جنيف في ٨ الشهر المقبل. وبدا واضحاً أن الحديث لم يعد حول «استئناف» المفاوضات الى «عقد» مفاوضات جديدة أو ما يعرف بـ «جنيف-٤»، الأمر الذي كان واضحاً في موقف دي ميستورا في الأسابيع الماضية. وأوضح المسؤول الغربي أن الجديد في المفاوضات، هو أربعة عناصر: «أولاً، مرجعية المفاوضات هي القرار ٢٢٥٤ الذي يتحدث عن حكم تمثلي وغير طائفي يمهد لدستور جديد وانتخابات وليس «بيان جنيف» الذي يتحدث عن «هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة».

«الثاني، إن هذه المفاوضات ستعقد من دون شروط مسبقة. على المعارضة أن تتوقف على اشتراط رحيل الرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية وعلى الحكومة أن تتوقف عن القول انه خط أحمر. هذه مواقف تفاوضية تطرح في جنيف. أيضاً يجب أن تكون دمشق والمعارضة مستعدتين لبحث كل شيء في القرار ٢٢٥٤».

ويتعلق الثالث بتشكيل وفد المعارضة. اذ انه في الجولتين السابقتين في جنيف كان وفد «الهيئة» هو الوفد المفاوضات وشارك ممثلو بقية القوى كـ «مستشارين» علماً ان مفاوضات بداية ٢٠١٤ اقتصرت فقط على «الائتلاف الوطني السوري». وتدفع موسكو حالياً باتجاه «وفد موحد يضم جميع القوى والكتل السياسية على قدم المساواة» أو أن تكون هناك «وفود عدة تحت مظلة واحدة». ويعتقد أن هذا الأمر، مطروح بقوة على مائدة اجتماع «الهيئة التفاوضية» في الرياض وسط «نصائح» من دول غربية داعمة للمعارضة بضرورة المشاركة في العملية السياسية الجديدة وتحذيرات من تهميش أو انشقاقات.

ويتعلق العنصر الرابع بطبيعة المفاوضات، حيث تدفع موسكو أنقرة والأمم المتحدة الى «مفاوضات مباشرة» بين وفدي الحكومة والمعارضة وليست غير مباشرة كما حصل في العام الماضي، مع توقعات بأن تنضم إدارة الرئيس دونالد ترامب الى دعم هذه المفاوضات الشهر المقبل. وقال مسؤول آخر: «مفاوضات جنيف ترمي في أحد أبعادها لنقل العملية من إطار روسي - تركي الى إطار روسي - أميركي - دولي».

مجلس عسكري

ستسير المفاوضات على سكتين متوازيتين: تشكيل «حكومة وفاق» و «مجلس عسكري». واذ بدا أن مهمة الحكومة معروفة وهي إعداد دستور جديد لإجراء انتخابات محلية (للبناء على المصالحات والمجالس المحلية للمعارضة) وبرلمانية بإدارة دولية، بدأ التداول بين الأطراف الراعية للحل في تركيبة هذه الحكومة. لمحت طهران الى قبولها بتسلم المعارضة حقيبة سيادية وحقائب أخرى برئاسة شخصية مقبولة بين أن تكون «شخصية معارضة مقبولة من النظام أو شخصية محايدة مقبولة من النظام والمعارضة»، وسط اقتراحات عن ثلاث حصص: نظام، معارضة، مستقلون.

أما بالنسبة الى المجلس العسكري، فإن موسكو وانقرة بدأتا مسيرة معقدة للوصول الى هذا الهدف. اذ التقى بوغدانوف في موسكو امس مع قيادات عسكرية بينهم الجنرال المنشق مصطفى الشيخ وخالد الحلبي.

ويعتقد مسؤولون غربيون بأن إحدى الأفكار هي تشكيل مجلس عسكري مشترك بحيث يضم بين ٤٠ و٤٥ شخصية من الجيش النظامي والميليشيات والفصائل المسلحة و «الجيش الحر» والأكراد ما يسمح بضم القوى العسكرية (الاكراد و «الجبهة الجنوبية» في «الجيش الحر» في ريف درعا) ضمن الصيغة الأخيرة للحل لتنظيم السلاح وتثبت الاتفاق مع وجود مراقبين دوليين ومحاربة الارهاب، على أن يكون رئيس المجلس من النظام مقبولاً من المعارضة او محايداً مقبولاً من الطرفين.

لكن تشكيل «حكومة الوفاق» و «المجلس العسكري المشترك»، وفق المسؤول، يتطلب أن «يفوّض» الأسد بعض صلاحياته الى هذين الجسمين خلال المرحلة الانتقالية. وتراهن موسكو وأنقرة على أن تكون المقايضة في وقت ما: «بقاء الأسد خلال المرحلة الانتقالية وموعد الانتخابات الرئاسية مقابل تفويض بعض صلاحياته العسكرية والتنفيذية والتشريعية إلى الحكومة والمجلس شرط صدور ذلك بقرار دولي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وضمانات اميركية - روسية واقليمية». لكنّ مسؤولاً غربياً آخر حذّر أمس من «الإفراط في التفاؤل لأن المخربين الخارجيين والمحليين لا يزالون قادرين على تفخيخ تنفيذ هذا السيناريو في حال جرى التوافق عليه».