محمد علي فرحات

استعادة التقليدي والطبيعي في العلاقة اللبنانية- السعودية حقّقتها زيارة الرئيس ميشال عون إلى الرياض ولقاؤه خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وما سبق من فتور، وصولاً إلى توتّر غير معلن، أصبح مرحلة عابرة في علاقة عريقة تعود إلى 80 سنة خلت. ويذكر المهتمون بالتاريخ القريب الإجماع اللبناني على شخص الملك عبدالعزيز آل سعود، فهو بالنسبة إليهم بطل السير عكس تيار التفتُّت والانقسام الذي تعهّدته القوى المهيمنة بعد الحرب العالمية الأولى، لأنه نجح في توحيد المملكة فيما البلاد العربية الأخرى أسيرة الانقسام ونزاعات أهلية تلبس ثوب السياسة.

تحتاج الزيارة الرئاسية إلى تعهّد متبادل بين الدولتين الشقيقتين، لأن عدداً من القوى السياسية اللبنانية عوّدنا على أن يفعل عكس ما يقول، وهذا لن يفوت إدارة سعودية تتمتع بيقظة سياسية أكثر من أي وقت مضى.

لن نسترسل في ضرورة العلاقة للبنان الدولة والشعب، فعلى الصعيد السياسي تحتاج بيروت إلى وفاق مع الرياض والعواصم الخليجية يسمح بالموازنة مع ضغوط إقليمية تريد للوطن الصغير الابتعاد عن عمقه العربي ليُصبح ورقة في فضاء النظام السوري والحكم الإيراني والعثمانية التركية الجديدة. وعلى الصعيد الاقتصادي تبدو حياة اللبنانيين، في الجزء الأكبر منها، مرهونة بسوق العمل السعودية والسيّاح الوافدين من المملكة. ولا بد من الاعتراف بأن غالبية النُّخب المالية اللبنانية حصّلت رأسمالها من أعمال في المملكة تستمر هناك أو انتقلت إلى غير بلد عربي أو أجنبي.

نجحت الزيارة الرئاسية ابتداءً من مبدأ حصولها سعودياً، بهدف طي صفحة الماضي القريب وفتح صفحة جديدة، سيراقب السعوديون ما يكتب اللبنانيون فيها، وابتداء من مبدأ حصولها لبنانياً باتفاق الأطراف الممثّلة في الحكومة على ضرورة رأب الصّدْع مع الشقيقة العربية الكبرى لمصلحة هذه الأطراف على اختلاف توجّهاتها. والسؤال الذي يطرحه صديق سعودي: هل يستعيد السياسيون اللبنانيون مواقفهم التقليدية تجاه السعودية أم يُخضِعون العلاقة الاستراتيجية للتجاذبات المحلية ذات البعد الإقليمي؟ وإذا كانت الرياض تطلب الحفاظ على لبنان راضية بمبدأ النأي بالنفس الذي أعلنه تجاه أزمات المنطقة البالغة الخطورة، فمن حقها أن لا يكون النأي مجرد شعار، خصوصاً أنها لا تطلب من اللبنانيين أن يتبنّوا مواقفها حرفياً، على رغم قناعتها بهذه المواقف التي تهدف إلى خير السعودية والعرب جميعاً بمن فيهم اللبنانيون؟

ويلاحظ من ناحية أخرى، أن فتور العلاقة اقترن بسياسات محلية لبنانية أخلّت باتفاق الطائف، ما يعني أن عودة العلاقة إلى طبيعتها تقتضي إعطاء الفرقاء في لبنان الحقوق المنصوص عليها في اتفاق نقل اللبنانيين من جحيم الحرب إلى نعمة السلام. وإذا كان الحفاظ على الطائف شرطاً لاستقرار لبنان، والنأي بالنفس شرطاً لحفظه من حريق المشرق العربي، فإن العلاقة مع السعودية تستقيم بتحقُّق هذين الشرطين عملياً، لا مجرد أقوال في الهواء.

هكذا يصبح اللقاء السعودي- اللبناني ضرورة لحياة الوطن الصغير، وبالتحديد لاقتصاده المهدد بالانهيار. فلا يتخيّل أحد حركة في السياحة وفي عمل الشركات والأفراد اللبنانيين في معزل عن النأي بالنفس وتطبيق الطائف، ذلك أن سلام لبنان هو ما يشجّع العلاقة معه، ولا أحد، حتى السعودية المُحبّة لوطن الأرز، يرضى بعلاقة مع بلد متفجّر أو مرهون بإرادات صانعي التفجير.

ما قبل الزيارة الرئاسية وما بعدها يبعثان على الطمأنينة، ويبقى أن المصلحة اللبنانية مرهونة بإرادة أصحابها... وما سوى ذلك انتحار.