عبدالله العوضي

قبل أكثر من ثلاثة عقود، أصدر الراحل علي بيجوفيتش رحمه الله كتاباً لم ينتبه إلى محتواه الكثير ممن ينعتون الإسلام بالإرهاب وبصفة يومية، لأن فلولاً من المسلمين انسلُّوا واندسوا تحت عباءة التطرف الذي ليس له علاقة بقرابة ملياري مسلم يعيشون بسلام ووئام في مختلف المجتمعات والدول، إلا أن صوت الإعلام عالٍ وصاخب لمصلحة الإرهاب أكثر مما ينبغي أن تصب الجهود لصالح إبراز مزايا الحنيفية السمحة أخلاقاً وسلوكاً ومعاملةً وتعايشاً دون تكلفٍ أو حتى مجاملة لكي لا يقال لنا شيء سلبي.

يبدو أننا نسينا كتاب بيجوفيتش الذي تعرضت دولته للإرهاب الصربي والكرواتي ومجازر جماعية للبشر ومثل ذلك للحجر إلا أنه قبل باتفاقية «دايتون» لإحلال السلام بين الطوائف الثلاث حفاظاً على شأفة الإسلام مِنْ أن تغتال أو تستأصل. فأصدر سِفراً عظيماً وهو قيد الحبس لسنوات بعنوان «الإسلام بين الشرق والغرب» في الوقت الذي كانت جمهورية البوسنة والهرسك تتعرض للتقطيع المستمر بعد قطع امتداداتها على العالم سواء عبر الممرات المائية أو الجوية. وانطلق من القناعة عبر نظرية (ZEN) لأحد علماء الغرب في إمكانية تدريب الطيور على تغيير سلوكياتها وفق آليات من تدخل البشر وهو ما وجده بيجوفيتش أكثر واقعية في تدريب الناس على تغيير الكثير من سلوكياتهم العدوانية إلى صداقة أو تحالف أو تعاون أو تشارك في مصلحة أو أي مسمى آخر يبعد الإنسان عن الاعتداء على جنس الإنسان لأي سبب كان حتى يستقيم عود الحياة ويستمر اخضراره بدل حرقه بالبارود والصاروخ والراجمات والقنابل الحارقة.

رحل بيجوفيتش بسلام بعد أن خرج من السجن وحكم بلاده لعدة سنوات بأدائه الأمانة لصالح شعبه ليس المسلمين منهم فقط، بل كل طوائفه واليوم نسمع عن حصاد ذلك الكتاب من بعد رحيله.

مذ ذاك وإلى الآن كل الإحصاءات الغربية، في شرقها وغربها تدل على دخول أعداد غفيرة منهم الإسلام كلما علا صوت التطرف والإرهاب، فهل قام مركز عربي أو إسلامي إقليمي أو دولي بدراسة هذه الظاهرة المحيرة رغم أنف «القاعدة» و«داعش» و«الطائفية»، و«العنصرية» و«العصبية» للقبيلة أو العشيرة أو الجنس أو اللغة أو العرق، فهؤلاء فقط يبيدون بعضهم بعضاً، وأما الآخرون فهم على خطى صقر قريش الذي أوصل الإسلام السمح والمعتدل والوسطي إلى أرض أوروبا التي كانت تئن من نير اليهود وظلمهم فسطعت شمس الإسلام من جديد من الغرب قبل أن يكتب بيجوفيتش بقرون.

فلنلق نظرة دقيقة على مؤلفات الإسبان أنفسهم ومخطوطاتهم لكي ندرك ما فعل هذا الإسلام الرباني «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ» في تلك الشعوب التي أبت إلا أن تتحدث العربية الفصحى في كل مناحي الحياة.

فماذا أعد «العُرْب»- وهم جذر الإسلام وعموده الرئيسي- لهذا الإسلام الذي لا زال ضوؤه واضحاً ويعمي أبصار البعض الذي لا زال حانقاً على الدين الإسلامي لأن من بين أبنائه متطرفين وإرهابيين.

فليس لدى «العُرْب» قاطبة مشروع حضاري يقدم البديل من ذات الإسلام حتى تتقبله الشعوب المسلمة، لأن أي مشروع آخر يصطدم بالواقع المعيش للمسلمين أنفسهم، فقد جُربت العلمانية في ديارهم منقوصة والاشتراكية مغلوطة والديموقراطية منكوسة، والوطنية لدى البعض على استحياء لأن القومية العربية في بعض العقود كانت الراية المرفوعة حتى حلت نكبة 67 ونكسة صدام حسين في العراق وخراب بقية ديار العرب بموجة «الربيع العربي» الحارقة لكل نقطة ضوء في طريق النهضة العربية المرتقبة، والتي أخذ البعض من المفكرين جذورها من «ربيع براغ» والثورة الفرنسية، وتمثال الحرية في أميركا، فأصبح بعض دعاة هذه الأفكار بعد حلول هذا «الربيع» في غير وقته ومكانه يمشي بجانب الجدار خشية أن توجه إليه أصابع الاتهام.

فليس «للعرب» مع المسلمين في كل مكان وقفة سليمة بغير إسلامهم السمح مع كل شعوب الأرض قاطبة، فالعروبة مشعل جذوة الإسلام الحق ورائحته الفواحة إسلام يشرق من الشرق أيضاً على الغرب والعكس صحيح، وهذا عمل متواصل وليس خطبة طيارة كما يقول الغزالي الكبير صاحب الإحياء عنها قد لا تخترق طبلة أذن المصلين، فضلاً عن الوصول إلى شغاف قلوبهم فتغير من واقعهم.