اميل خوري

استوقف أوساطاً سياسية قول ناشط لبناني - أميركي في فريق الرئيس المنتخب دونالد ترامب في حوار اذاعي، إن على الدولة اللبنانية أن تتحمل مسؤولية معالجة سلاح "حزب الله" ولا تنتظر من أميركا ولا من غيرها أن ترسل قواتها الى لبنان لتقوم بذلك.

هذا القول إذا كان يعبّر حقيقة عن سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، هو قول خطير يضع لبنان مرة أخرى أمام الخيارات الصعبة كما وضعته في الماضي عندما كان العمل الفلسطيني الفدائي المسلح ينطلق من جنوبه وكان مطلوباً من الدولة اللبنانية، على ضعفها، وقف هذا العمل أو تحمّل العواقب... 

وهو ما حصل إذ أن اسرائيل اجتاحت الجنوب اللبناني مرات عدة وبلغ أحدها العاصمة بيروت. ولم يكن في الامكان التخلّص من عواقب الكفاح الفلسطيني المسلّح لا بعقد "اتفاق القاهرة" علّه يضبط هذا الكفاح ولا بالحوار الى أن وقعت حرب السنتين بين لبنانيين وفلسطينيين وتحولت حرب الآخرين على أرضه ودامت 15 سنة، فهل مطلوب من الدولة اللبنانية التي لا تزال على ضعفها أن تفعل الشيء نفسه مع سلاح "حزب الله" مع فارق أن الحزب هو من مكونات لبنان، وهو ممثل في الحكومة وفي مجلس النواب وليس مثل الكفاح الفلسطيني المسلح الذي فرض نفسه على الداخل اللبناني بقوة سلاحه.


الواقع أن الدولة اللبنانية عجزت عن معالجة مشكلة سلاح "حزب الله" كما عجز عن ذلك مجلس الأمن الدولي بما اتخذ من قرارات ظلّت حبراً على ورق، ولا سيما القرار 1559 و1701 و1680 المتعلّق بترسيم الحدود بين لبنان وسوريا بدءاً بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا. فلماذا مطلوب من لبنان الدولة الضعيفة أن تتحمل وحدها مسؤولية معالجة مشكلة سلاح "حزب الله"، في حين أن ذلك مطلوب أيضاً من كل دولة معنية وخصوصاً من مجلس الأمن المسؤول عن تنفيذ قراراته المتعلقة بأي دولة بكل الوسائل المتاحة، ولو أنه تحمّل هذه المسؤولية لما ظلت القضية الفلسطينية من دون حل على رغم مرور سنوات طويلة، ولما كانت المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط تتعرضان للاضطرابات والقلاقل ولأعمال العنف والانتحار.

إن الدولة اللبنانية لم تتوصل لا بالحوار ولا بأي وسيلة من الوسائل الى معالجة مشكلة سلاح "حزب الله"، حتى أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي - مون لم يدعُ الى معالجتها إلا بالحوار لأن أي وسيلة أخرى تعني قيام فتنة داخلية وحرب أخطر من تلك التي قامت مع الفلسطينيين المسلحين. فمن الظلم إذاً أن تطلب أميركا في عهد الإدارة الجديدة من الدولة اللبنانية تحمّل عواقب احتفاظ "حزب الله" بسلاحه كما حمّلته في الماضي عواقب العمليات الفدائية الفلسطينية المنطلقة من أراضيه، وهي عمليات لم تتوقف وتتوقف معها الحروب في لبنان إلا بدخول قوات سورية بموافقة عربية ودولية وعدم ممانعة اسرائيلية لتنفيذ اتفاق الطائف، وقد صار تنفيذه انتقائياً ويا للأسف، فلم تلغَ كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ولم يتم تسليم أسلحتها الى الدولة.

لذلك فإن على الدول الصديقة والشقيقة للبنان، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، ألا تجعل من سلاح "حزب الله" مشكلة له وحده، حتى اذا عجز عن حلها بوسائله المتاحة فلا تساعده ما دام الحزب يشترك في أي حكومة يتم تأليفها رغم نعته بالإرهاب.

إن الدولة اللبنانية وفي عهد الرئيس العماد ميشال عون، وكونه حليفاً لـ"حزب الله" سوف يتحاور معه توصلاً الى حل لمشكلة سلاحه، لكنها لن تذهب معه الى حد المواجهة التي تدمر لبنان وتهدّد وحدة الأرض والشعب والمؤسسات. فكما أن سوريا بدعم عربي تولت معالجة السلاح الفلسطيني في لبنان وإن جزئياً، فإن إيران تستطيع بدعم أميركي وروسي معالجة سلاح "حزب الله" إذا تعذّر على الدولة اللبنانية ذلك، إذ ماذا ينفع لبنان إن ربح المواجهة مع "حزب الله" وخسر أمنه واستقراره؟

المطلوب إذاً من الإدارة الأميركية الجديدة ومن الدول الصديقة مساعدة لبنان على معالجة مشكلة سلاح "حزب الله" وكل سلاح خارج الدولة لضمان استمرار الأمن والاستقرار الداخلي. وعلى مجلس الأمن الدولي اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتنفيذ قراراته خصوصاً تلك المتعلقة بلبنان وسوريا وفلسطين المحتلة واسرائيل كي يسود السلام الشامل والعادل المنطقة ويتحوّل السباق على التسلح سباقاً على تنفيذ المشاريع الحيوية والانمائية التي ترفع مستوى معيشة كل الشعوب. 

وفي استطاعة الرئيس عون، كونه حليف "حزب الله"، العمل على معالجة سلاح الحزب بالحوار الجدي والجاد ليصبح قوة مضافة الى الدولة لا قوة عليها كي تستطيع حماية كل المواطنين وردّ كل اعتداء يقع على لبنان. فعوض أن تحمّل الادارة الاميركية الجديدة لبنان وحده مسؤولية معالجة مشكلة سلاح "حزب الله" وكل سلاح خارج الدولة كما حمّلته من قبل مسؤولية معالجة مشكلة السلاح الفلسطيني على أرض لبنان فكانت الحروب المدمرة، فإن عليها مع الدولة الشقيقة والصديقة أن تساعده على ذلك، أو تتولى عنه ذلك، وأن تكون مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي مع ايران مختلفة عما قبلها، فتكون مرحلة سلام ووفاق وأمان لا مرحلة اضطرابات وقلاقل وحروب.