علي سعد الموسى

لنبدأ بهذه الحكاية فاتحة إلى المدخل: تقول إحدى مرويات التاريخ إن بعضا من قبائل وسط الصين القديم كانت تنظر إلى الحجم الصغير لقدمي المرأة مقياسا للجمال ورمزا للأنوثة. 
ولعله من أجل هذا كانت الطبقات الأرستقراطية القادمة تصنع جوربين من الذهب الخالص، ثم تضعهما في قدمي الفتاة ما بين سن الثامنة إلى العاشرة، ويظلا ثابتين لا ينزعان إلا عند سن العشرين، والهدف أن يحافظ هذان الجوربان الذهبيان على حجم القدمين ساكنين لا ينموان كبقية الجسد. 
ومع الزمن الطويل، تحول ما كان رمزا للجمال إلى دلالة مباشرة على الإعاقة المستحكمة. تحولت نساء الأرستقراط والمترفين في الشوارع إلى ما يشبه البط الأعرج، وصارت كل واحدة منهن عالة في محيطها لا تستطيع السير على القدمين إلا بمساندة. 
تحول الزوج مع زوجته إلى مجرد عصا تتكئ عليها كي لا تسقط، وكل هذا من أجل جمال القدمين النحيلين.
والحال أن جل ثقافات الكون المتعاقبة في مسيرة الاجتماع الأنثروبولوجي فعلت مع المرأة نماذج مختلفة من هذه الإعاقة. أطرفها، وللنكتة، ما فعلته بعض قبائل أدغال إفريقيا بتحريم كل شيء في أكل المرأة إلا اللحوم الحمراء الخالصة دون طبخ. 
كانت تحرم عليها أي شيء غير ذلك، بما في ذلك الحبوب والخضار، حتى انقلب السحر على الساحر: أصبحت المرأة هناك أشبه بالفهود المفترسة، وزادت شراستها وعنفها حتى أصبح الرجل مجرد مستعمرة. جبان ذليل خائف.
ومن خطأ التقدير بمكان، أن نظن أن ثقافتنا قد نجت من داء إعاقة المرأة ومن تحويلها الممنهج إلى عالة على الرجل، لا تختلف في شيء عن مثال المرأة الصينية تحت غطاء الذهب الخالص على القدمين. 
كل سعودي لديه في الحياة وظيفتان: عامة يحصل بموجبها نهاية الشهر على مرتب المعاش. وخاصة يحمل فيها بالمجاز على ظهره هذه المرأة التي ألغينا فيها كل قدراتها الفطرية على الحياة والإنتاج والاستقلال. 
دون الرجل لا تستطيع هذه المرأة أن تذهب مستقلة حتى لشراء بيضة أو بصلة. نحن الشعب الوحيد، أو فلنقل الثقافة الوحيدة التي يكون فيها نصف المجتمع مجرد موظف يقضي جزءا كبيرا من ساعات يومه من أجل القيام بوظائف نصفه الآخر المعطلة. 
سنكتشف، إن لم نكن قد اكتشفنا بالفعل، أن لدينا واحدا من أعلى نسب أمراض الاكتئاب للمرأة، وأن كل زوجة من بين كل ثلاث تتناول عقارا نفسيا واحدا على الأقل في اليوم. 
لدينا واحد من أعلى معدلات السمنة لدى امراة لا تعرف حتى تفاصيل شارعها الذي تسكن فيه. لدينا بالثابت المؤكد أعلى نسبة كونية في نقص فيتامين "د" لدى المرأة التي يقال إنه هو المسؤول عن ولادة أطفال التوحد، فما السبب؟
لدينا أقوى أشعة شمس على وجه الأرض، وهي مصدر هذا الفيتامين الطبيعي، وعلى النقيض لدينا أكبر نقص فيه رغم أمراض نقصه المخيفة. العنوان بعاليه هو اختراعي الطبي، ولي كل حقوق اكتشافه.