إميل أمين

مرة جديدة تجد المحروسة ذاتها في مواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين، الإرهاب الأسود، الذي حصد أرواحاً بريئة في مدينة العريش بشمال سيناء قبل بضعة أيام. ومرة أخرى يُعلن المصريون عزمهم على المضي في الطريق الصعب، طريق مواجهة الظلاميين عبر المجابهة والتحدي، الصمود والتصدي. هل مصر بالفعل في حرب؟

مؤكد أن ذلك كذلك، وهي حرب لا تقل عن مواجهة سنوات الاستنزاف التي أعقبت حرب الخامس من يونيو 1967.

جاءت العملية الإرهابية الغادرة الأخيرة غداة مشهد أدخل البهجة إلى قلوب المصريين، فقد كانت ليلة السادس من يناير عشية عيد ميلاد السيد المسيح بحسب التقويم الشرقي، ليلة فرح وسعادة أمست فيها مصر بأكملها على قلب رجل واحد بزيارة رئيسها السيسي للكاتدرائية المرقسية وسط القاهرة لتهنئة مسيحيي مصر بالمناسبة، وإعلانه عن الشروع في بناء أكبر مسجد وكنيسة على أرض المحروسة، في العاصمة الإدارية الجديدة.

الإعلان عينه يعكس الإصرار الجاد على ترميم ما خلفته الأيادي السوداء من هدم في جدار النسيج الاجتماعي المصري الواحد منذ آلاف السنين، وإعلان شمس مصر الحضارية حول العالم رغم الأزمات الاقتصادية التي مرت بها، ومحاولات البعض اختطافها.

لا يمكن فهم حرب الإرهاب التي تواجهها مصر اليوم بعيداً عن السياق العالم للداء العضال الذي أصاب العالم العربي في العقود الأخيرة، أي إشكالية الإسلام السياسي الذي أفرز الجماعات الجهادية المسلحة، والتي آلت تالياً إلى تنظيمي «القاعدة» و«داعش».

أفضل من عبّر عن مكنون الظاهرة، كان ولا يزال العلامة الراحل الدكتور «جمال حمدان» صاحب كتاب شخصية مصر، والذي ذهب مبكراً إلى القول إن كل تلك الحركات المتطرفة المختبئة في رداء زائف للإسلام هي«وباء دوري يصيب العالم الإسلامي في فترات الضعف السياسي، وهي ليست أكثر من صحوة الموت أو رقصة الذبيح بعد طول احتضار».

يدرك الذين يقفون خلف الإرهاب في سيناء بأن شمس مصر الذهبية عائدة، ولذلك فالمطلوب- من وجهة نظرهم- قطع الطريق عليها، في تكرار مأساوي لسطور التاريخ، لكن تجارب نهضة مصر منذ زمن محمد علي وأحمد عرابي، مروراً بجمال عبد الناصر، وصولاً إلى عبد الفتاح السيسي، تؤكد صمود هذا البلد.

رويداً رويداً تتجاوز مصر أزمتها الاقتصادية، وينابيع الخير الطبيعي تتفجر من حولها، حقول للغاز والنفط، وإعادة اكتشاف ثرواتها الطبيعية من الذهب والمعادن، والأهم من ذلك إرادة المصريين، الذين تحملوا عناء ارتفاع الأسعار، وآثار تعويم الجنيه، وغيرها من الإجراءات الاقتصادية المؤلمة، من أجل نجاح «العبور الثاني»، ليكون النصر الاقتصادي في 2017 المكافئ الموضوعي للعبور العسكري ونصر أكتوبر 1973.

السؤال الحقيق بطرحه، هل معركة الإرهاب هي معركة مصر وحدها؟

بالقطع لا، إنها معركة العالم بأسره في مواجهة دعاة «شر الإثم» الذين يحاولون الترويج لجمهوريات الخوف، وما أبأسها من جمهوريات في أي بقعة أو رقعة من الأرض، وبذات القدر هي معركة العالم العربي بنوع خاص والذي عانى منها، ولا تزال جماعات الإرهاب الأسود واقفة خلف أبواب العرب تشتهي أن تحوّل نهارهم إلى قلق وليلهم إلى أرق، ووئامهم إلى خصام، واتفاقهم إلى افتراق، وأمنهم وأمانهم إلى رعب مقيم، ما يعني ضياع الرؤية المستقبلية في البناء والنماء، والعودة من جديد إلى عصور الكهوف الفكرية الحجرية.

إن نظرةً سريعة على تقرير التنمية الأخير الخاص بالعالم العربي، والصادر عن الأمم المتحدة مؤخراً، تقودنا إلى خلاصات مزعجة حقاً، ذلك أن 45% من منفذي الهجمات الإرهابية التي شهدها العالم خلال عام 2014 كان مسقط رأسهم العالم العربي. تقرير الأمم المتحدة يشير إلى أن الحرب على الإرهاب تتصل اتصالاً جوهرياً بعملية التنمية والتشغيل ومواجهة البطالة التي تفرخ إرهابيين، فالبطالة بين الشباب العربي تبقى الأعلى في العالم، وتصل إلى 30%، وهناك حاجة لخلق 60 مليون وظيفة حتى عام 2020 لمجرد تلبية حاجة الشرائح التي توشك على دخول سوق العمل، وغني عن القول إن البديل الأكبر، والأقرب لتلك الملايين، حال ضاقت بها سبل العيش، هو الهجرة إلى الغيبيات والإغراق في الأصوليات.

الذين خلقوا الإرهاب وصدروه لمصر ولبقية الدول العربية ينبغي عليهم ألا يبتهجوا إلى زمان بعيد، فما يحدث، كما يقول «فريد زكريا» الكاتب الأميركي صاحب السؤال الشهير في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر 2001: «لماذا يكرهوننا»، لن يبقى على الأرض العربية طويلاً، فالحرب السورية مثلاً أرسلت موجات من اللاجئين إلى أوروبا، وتسببت في توليد نزعة قومية محافظة في بعض الدول الأوروبية، سرعان ما انتقلت شراراتها إلى أميركا، وها هي الحرب الأهلية ولو مجازاً تعتمل في العقول، وتحتدم بين الشعبويين والقوميين من جهة وبين الليبراليين و«الديمقراطيين» من ناحية ثانية، ناهيك عن تسرب خلايا الإرهابيين إلى الداخل الأوروبي والأميركي والحصاد المر المنتظر. هل هو وقت التنادي العالمي العربي لمواجهة غول الإرهاب؟