الياس حرفوش

يدخل لبنان مرحلة اختبار لقوة العهد الجديد في الداخل ولإعادة علاقاته العربية إلى وضعها الطبيعي، وخصوصاً مع الدول الخليجية، بعد الزيارة التي قام بها الرئيس ميشال عون إلى الرياض.

فعون آتٍ الى الحكم من محور معروف بخصومته، كي لا نقول بعدائه لهذه الدول. وإذا كانت هذه الدول، والسعودية في مقدمها، تفضّل فتح صفحة جديدة مع العهد الجديد، فإن ذلك يعود الى أمرين: الأول أن هناك رهاناً على قدرة عون على إعادة التوازن الى علاقات لبنان، بعد محاولات فرض الأمر الواقع على سياسته الخارجية، تحت ضغط المحور الإيراني، الذي يعبر عنه «حزب الله» من خلال نفوذه في الداخل. أما الأمر الثاني فيعود الى شبه الإجماع الذي حظي به انتخاب عون، والذي يعود الفضل الأساسي فيه الى دعم تيار «المستقبل» لترشيحه، ما فتح الباب أمام دعم سنّي كان لا بد منه كي يحظى وصول عون الى الرئاسة بالقاعدة الوطنية الجامعة.

في هذا الإطار يمكن فهم تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال زيارة عون، من أن السعودية «تسعى الآن لأن يكون لبنان دولة مستقلة وخالية من التدخلات الخارجية». فهذه أمنية كل لبناني مخلص، وعندما تتحول الى أمنية عربية أيضاً، فإن ذلك يصبّ في خدمة لبنان، ولا يصح أن يوضع في إطار وضع الشروط على القرار اللبناني، مثلما سارعت بعض الوسائل الإعلامية الى التعليق على المواقف التي دعت الدولة اللبنانية الى استعادة استقلالها وسيادة قرارها.

غير أن الانفتاح العربي على عهد ميشال عون، والالتفاف اللبناني حوله، يلقيان على الرئيس اللبناني مسؤولية كبيرة، تتمثل في ضرورة تجاوبه مع طموحات معظم اللبنانيين والعرب الى استعادة لبنان حرية قراره في الداخل والخارج، وقدرته على الوقوف في وجه الابتزاز المتمثل في السماح لـ «حزب الله» بتسيير القرار السياسي كما تهوى المصالح الإيرانية، فضلاً عن سطوة سلاحه الذي أصبح خارج الضوابط التي التزمت بها المكونات اللبنانية الأخرى.

أما الطريق الأقصر لمواجهة هذه المسؤولية من جانب العهد الجديد فهي من خلال شجاعة الاعتراف بوجود مشكلة تتمثل في هذه السطوة على القرار اللبناني، لا بإنكار وجودها. فالتصريحات التي أدلى بها عون خلال زيارته الى الرياض تهدف الى تجنب مشكلة مع «حزب الله»، بدل أن تهدف الى حل أزمة ثقة مع العرب. ففي حديثه الى قناة «العربية» مع الزميل تركي الدخيل قال عون من جهة أنه مع «منع الذهاب والإياب من سورية الى لبنان»، واعترف من جهة أخرى بأن الدولة «عاجزة» عن وقف تدخل الحزب في سورية. كما نفى أي دور للمقاومة (كما سماها) في لبنان. واستطرد بأنه لم يكن في موقع المسؤولية عنما وجد سلاح الحزب، في تجاهل لورقة «التفاهم» بين «حزب الله» و «التيار الوطني الحر»، التي منحت الحزب صكّ براءة في الوقت الذي كان سلاحه حاضراً للاستخدام في الداخل، كما حصل في أيار (مايو) 2008، أي بعد أكثر من سنتين على ورقة «التفاهم» تلك.

يضاف الى ذلك أن سياسة لبنان الخارجية التي يديرها الوزير جبران باسيل لم تكن ملتزمة دائماً بما تفرضه هوية لبنان العربية، التي ينص عليها الدستور، ولا التزاماته تجاه جامعة الدول العربية، وهو عضو مؤسس فيها. ومن المؤسف هنا أن تستحضر الذاكرة تصويت لبنان بالامتناع عن إدانة حرق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد قبل عام من الآن، في خرق فاضح لالتزامات لبنان تجاه دولة شقيقة تعرضت سفارتها لاعتداء مخالف للقوانين الدولية التي ترعى حرمة البعثات الديبلوماسية.

في ظل هذه التراكمات، كان طبيعياً أن يفاجأ العرب بالخطاب الجديد للرئيس ميشال عون مثلما فوجئ اللبنانيون بخطاب القسم، كما قال الوزير نهاد المشنوق في حديثه الأخير الى الزميل مارسيل غانم. أضاف المشنوق، الذي رافق عون في زيارته، أن الرئيس اللبناني حمل على كتفيه مسؤولية ضمان سياسة جديدة للبنان، «وهذه مسألة ليست سهلة».

يبقى أن تترجم هذه السياسة الجديدة من خلال قرار لبناني يلتزم المصلحة الوطنية قبل أي مصلحة أخرى، وعندها يصبح حل المشاكل العالقة مع العرب، على اختلافها، في متناول اليد.