زهير فهد الحارثي

العرب يرددون دائماً أن الإدارات الأميركية السابقة لم تقم بدورها كما ينبغي، ولم تفعل شيئا يذكر إزاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي رغم وعودها المتكررة، على الإدارة الجديدة دعم المبادرة العربية، وإذابة جليد المفاوضات.. بقاء الملف بهذا الوضع يغذي الحروب والكراهية والتطرف..

بعد يومين يدخل الرئيس الجديد دونالد ترامب البيت الأبيض، ويبدو أن ثمة قرارات قادمة ربما قد تُفاجئ العالم، لاسيما أن شخصية الرئيس المنتخب تُرجح مثل هذا القول. على أي حال لا أحد يعلم على وجه اليقين كيف ستتجه الأمور بعد مجيء الرئيس ترامب، فكل ما هو مطروح في الساحة الإعلامية يدخل في باب التكنهات والتنبؤات إن أردنا الحقيقة.

ومع ذلك وخلال جلسة المصادقة على تعيينه وزيرًا للخارجية بالكونغرس، أكد ريك تليرسون أن الأولوية القصوى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي "دحر تنظيم داعش الإرهابي"، مشيرًا أن ذلك هو "الخطوة الأولى لوقف قدرات جماعات وأطراف أخرى تسعى لضرب أميركا وحلفائها". شدد أيضا على ضرورة التركيز على تنظيمات أخرى كما قال، مثل الإخوان والقاعدة وإيران متهماً إياهم بأنهم منبع الإرهاب، ومؤكداً أن "الإيديولوجية المتطرفة لا تمثل العقيدة الإسلامية الحقيقية". الوزير النفطي الذي سبق أن عاش في اليمن ثلاث سنوات، أكد أن "بلاده ستدعم السعودية في اليمن لإعادة الشرعية"، مؤكدا أن "الخطر الأكبر على أميركا يتمثل في كوريا الشمالية وإيران، ما يستدعي مواجهتهما لتحييد هذه المخاطر". طبعا هذه مؤشرات إيجابية نحو سياسة أميركية جديدة في المنطقة، ويبدو أنها في طريقها للانخراط في المنطقة عسكريا ودبلوماسيا واقتصاديا. حماسة واشنطن تجاه مواجهة داعش ستضيف فاعلية أكبر للتحالف الدولي ما يعجل بغلق ملف داعش هذا العام.

غير أن الذاكرة تقول لنا إن السياسة الأميركية سلمت العراق وأفغانستان على طبق من ذهب لإيران. والآن نشهد تراجعا للإدارة الأميركية في ظل حضور طاغ للدبلوماسية الروسية التي فرضت شروطها على البيت الأبيض. في الحقبة "الأوبامية" لم تلتزم الولايات المتحدة بتنفيذ وعودها التي تعهدت بها لدول الخليج وفي مقدمتها السعودية، أضف إلى ذلك أن رؤية الدولتين في بعض الملفات كانت متباينة بشكل معلن، فهل العلاقات السعودية - الأمريكية تتجه نحو القطيعة كما يردد البعض، أم أن العلاقة البراجماتية المرتبطة بالمصالح قادرة على أن تُعيدها إلى مكانها الطبيعي؟ أصبح من غير المقبول أن تفرط الدولتان في علاقة تجاوزت الثمانية عقود، لا سيما وقد نجحتا في الماضي في تجاوز فترات من التوتر. ظلت السعودية برغم كل هذه التحولات المتسارعة والمستغربة تملك قرارها السيادي، وكذلك ما نعرفه أيضا أن البلدين بحاجة بعضهما البعض لمواجهة التحديات والمخاطر التي تواجهها دول الخليج، وهو ما يجعل الرياض تطالب واشنطن بمراجعة سياساتها في المنطقة.

هناك رسائل سياسية لا بد أن تصل للإدارة الجديدة، أهمها يتمثل في أن تتحمل مسؤوليتها في إقرار السلام. العرب يرددون دائما أن الإدارات الأميركية السابقة لم تقم بدورها كما ينبغي، ولم تفعل شيئا يذكر إزاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي رغم وعودها المتكررة ولم تلعب دوراً محايداً، بل كانت منحازة لإسرائيل. على الإدارة الجديدة دعم المبادرة العربية، وإذابة جليد المفاوضات. بقاء الملف بهذا الوضع يغذي الحروب والكراهية والتطرف.

أمر آخر مهم وهو أن الخليجيين لا يريدون إلغاء الاتفاق النووي، بل إن ما يطالبون واشنطن به هو تطبيق العقوبات المنصوص عليها في الاتفاقية على الفور في حال انتهاك طهران لأي من بنودها.. أن يتم الاتفاق بين واشنطن وطهران دون التزام الأخيرة بتنفيذ بنوده فإنه أمر مخيف ومقلق للجميع.. البيت الأبيض بحاجة لإعادة النظر في تعاطيه مع ملفات المنطقة من منظور شمولي وليس ذا توجه اختزالي.

صفوة القول: ما حصدته إيران من الغرب يجعلها تُمعن في سلوكها الذي يتنافى مع مبادئ القانون الدولي، والمأمول أن يستشعر الرئيس الجديد خطورة ما تفعله إيران في المنطقة من أجل إيقاف تدخلاتها في شؤون دول الجوار، والتأكد من التزامها تطبيق بنود الاتفاقية بحذافيرها.