أحمد يوسف أحمد

لأنها الولايات المتحدة، فإن أحداثها الكبرى تكون موضع الاهتمام، وأذكر أن أول حدث كبير يتعلق بها طغى على اهتمامي كان في سن الصبا وهو اغتيال الرئيس جون كينيدي في 1963، وكان الرجل بأفكاره الجديدة محط آمال الكثيرين في دور أفضل تلعبه الولايات المتحدة في العالم وفي قضايانا العربية بصفة خاصة، ثم كان الحدث الكبير الثاني هو فضيحة «ووتر جيت» في عهد الرئيس نيكسون الذي اضطر بعد افتضاح أمره إلى الاستقالة، وكذلك كان الحدث الكبير الثالث وهو كذبة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل لتبرير غزوه الذي كان بداية لسلسلة من التطورات ضيعت العراق ووضعته تحت النفوذ الإيراني، لكني أزعم أن ما يحدث الآن في الولايات المتحدة غير مسبوق منذ احتدام حملة الانتخابات الرئاسية وحتى الآن، ولم تكن البداية غير معتادة، اللهم إلا في مفاجأة التقدم المضطرد لترامب عكس كل التوقعات حتى فاز بترشيح الحزب الجمهوري، ثم كانت مفاجأة فوزه بالرئاسة عكس الأغلبية الساحقة من استطلاعات الرأي العام وتوجهات الآلة الإعلامية الأميركية، وعلى الرغم من أفكاره التي تناقضت مع كثير من مسلمات السياسة الأميركية. وكان تصرف مدير مكتب التحقيق الفيدرالي قبيل الانتخابات بأيام معدودة؛ حين أثار من جديد قضية استخدام المرشحة الديمقراطية بريدها الإلكتروني الشخصي في أعمال رسمية، بدوره عملاً غير مسبوق نسب إليه البعض المسؤولية عن خسارتها الانتخابات. ويلاحظ أن فوز ترامب لم يكن شعبياً، فقد حصلت هيلاري على عدد أكبر من الأصوات الشعبية لكنه نظام الكلية الانتخابية الذي يُمكِن فيه لمن حصل على أصوات شعبية أقل أن يفوز بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي، وتلت ذلك مظاهرات شعبية حاشدة استمرت أياماً للاعتراض على فوز ترامب، وقد تجددت مع قرب تنصيبه، وهذا جديد على الديمقراطية الأميركية.

ويزداد الجديد في السياسة الأميركية وضوحاً بمحاولات الرئيس المنتهية ولايته التحذير من توجهات ترامب، غير أن الأمر لم يقف عند هذا الحد وإنما حاولت الإدارة القائمة في أيامها الأخيرة أن تخلق الصعوبات أمام تنفيذه ما وعد به، فهي تحرجه بامتناعها عن التصويت ضد مشروع القرار الذي أدان الاستيطان الإسرائيلي في مجلس الأمن مما سمح باعتماده، وهي تطرد عشرات من الدبلوماسيين الروس لتخريب ما كان متوقعاً من تحسن في العلاقات الأميركية الروسية على ضوء رأي ترامب الإيجابي في الرئيس الروسي. وفي هذا الصدد دخلت «المؤسسة» التي جاء ترامب من خارجها، ممثلة في أجهزة الاستخبارات الأميركية، في المعركة بقصة القرصنة الإلكترونية الروسية على لجنة الانتخابات الديمقراطية لدعم فرص ترامب في الفوز. ورغم استخفافه في البداية بهذه القصة فقد اضطر بعد لقائه مع ممثلي هذه الأجهزة إلى الاعتراف بوقوع هذه القرصنة وإن أكد أنها لم تؤثر في نتيجة الانتخابات. وهنا يمكن القول بأن «المؤسسة» قد حققت أول انتصاراتها على ترامب، كما تشير إلى ذلك تصريحات المرشحَين لمنصبي الخارجية والدفاع اللذين سلما بوجود تصادم في المصالح بين الولايات المتحدة وروسيا، وإن لم يستبعدا إمكان حدوث تعاون معها بشروط معينة وهو ما يختلف بالتأكيد عن تصريحات ترامب إبان الحملة الانتخابية، بل إنه أكد المعنى نفسه بالحديث عن أنه لن يرفع العقوبات المفروضة على روسيا إلا إذا تعاونت في مجال مكافحة الإرهاب، ثم ازدادت الحرب عليه ضراوة بالحديث عن ملفات محرجة أخلاقياً تتمثل في شرائط فيديو التُقطت له أثناء زيارته روسيا كرجل أعمال ثم إعلان المفتش العام لوزارة العدل أنه سوف يحقق في تصرفات مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي الذي أثار القضية الشائكة للبريد الإلكتروني لهيلاري قبل الانتخابات بأيام، فإذا توصل إلى قرائن تشير إلى نية الإضرار بها، فربما يكون في هذا مزيد من التقويض لشرعية الرئيس الجديد! ويُضاف إلى هذا كله خصومته الشديدة مع عديد من رموز الثقافة والفن والإعلام في الولايات المتحدة، فهل ثمة مبالغة في القول بأن الولايات المتحدة مقبلة على أربع سنوات استثنائية وفى الأغلب عصيبة؟