حسين شبكشي

كنت في رحلة عمل إلى إسطنبول منذ فترة قريبة جدًا، وكنت في اجتماع عمل موسع مع بعض رجال الأعمال الأتراك وكان على محياهم قلق وهم واضحان. كانت أخبار الحوادث الإرهابية متتالية وفي أكثر من مدينة تركية حتى باتت الأخبار من هذا النوع أشبه بالعادية، ولكن رجال الأعمال يدركون «خطورة» هذا الوضع والأبعاد المرعبة على الاقتصاد والتنمية وبالتالي الاستقرار المنشود.
قام أحد كبار رجال الأعمال الأتراك الذي كان من بين الحضور الموجودين وطلب مني التحدث إليه على انفراد، فما كان منه إلا أن أخرج هاتفه الجوال وفتح بريده الإلكتروني ليطلعني على رسالة أتته من شريكه، وهو مالك لشركة ألمانية عملاقة في مجال الصناعة تخبره بإلغاء شراكتها معه في المصنع الذي كانت تنوي إطلاقه وإنشاءه في مدينة إزمير بتركيا، وعزت سبب إلغاء المشروع العملاق إلى الحالة الأمنية المتردية في البلاد وتحذيرات شركات التأمين من تغطية المنشآت وكبار الموظفين التنفيذيين الأوروبيين من مخاطر الإرهاب وتبعاته، وكذلك وضع العملة التركية المتذبذبة والمضطربة أمام العملات العالمية الأخرى.
لقد أحس رجال الأعمال أن هناك قرارًا عالميًا وتحديدًا غربيًا وأوروبيًا قد تم اتخاذه بزعزعة استقرار تركيا بسبب عدم قدرتها على إدارة ملف اللاجئين والمهاجرين العابرين عن طريق تركيا إلى القارة الأوروبية، وعبر معهم عدد من الإرهابيين الذين قاموا بعمليات إرهابية مكلفة، بالإضافة إلى التدفق المهول نفسه في أعداد المهاجرين واللاجئين الذي تسبب في أعباء اقتصادية واجتماعية على دول غير قادرة بالأساس على تحمل تلك التكاليف بسبب ظروف اقتصادية فيها كثير من التحديات والمصاعب، وهي المسألة التي اعتبرتها الدول الأوروبية وكأن الأتراك أرادوا «إثقال» الاتحاد الأوروبي بتلك المسألة كنوع من الضغط السياسي لأجل تحقيق إنجازات أخرى لتركيا مع الدول الأوروبية. وتواصل الانتقاد الأوروبي الحاد ضد ممارسات الحكومة التركية في ملف الحريات والإعلام والقبض العشوائي على المعارضة، ومن يشتبه في أنه معارضة بشكل كان مثار الدهشة والاستغراب على أقل تقدير. وبسبب ذلك مالت تركيا ميلاً شديدًا نحو الروس وهم الذين كانت تحذر منهم وتعتبرهم مصدر قلق وخوف، إلا أن الغرب بات مصدر رعب بالنسبة للأتراك وارتمت الحكومة التركية وبقوة في أحضان الروس، ولكن على الأرض الأرقام الاقتصادية محبطة، فمعدلات النمو تهبط بشكل مستمر ومقلق، ووضع الليرة يتهاوى أمام الدولار، أما السياحة فباتت في حالة غيبوبة بعد غياب تام للسياح الأوروبيين والروس والصينيين والأميركيين، والآن جاءت الضربة للسياح العرب.
أما أرقام الاستثمار في القطاع العقاري والخدمي والصناعي فتنهار بشكل مخيف ومفزع مما اضطر الحكومة التركية إلى تقديم عروض مغرية لجلب المستثمر الأجنبي مقابل عوائد مميزة كالإقامة الطويلة أو الجنسية التركية.
هناك ضغوط غير مسبوقة على الحكومة التركية... إذا كان ظاهرها هو ملف مكافحة الإرهاب والملف الأمني، فإن الأهم والأخطر هو الملف الاقتصادي وتبعاته المتتالية لأن قاعدة إردوغان الجماهيرية هي العمال والفلاحون الموجودون خارج إقليم الأناضول المكون من أنقرة وإسطنبول وإزمير، وإذا مسهم الضرر وبدأت البطالة والضيق المالي تصل إليهم فلا بد أن ينعكس ذلك الأمر على وضعية شعبية الرجل وحزبه، وهذه مسألة أخطر مائة مرة من انقلاب للجيش أو أحداث إرهابية.
تركيا بلد مهم وذو ثقل إقليمي غير عادي، إلا أن هذه السنة ستكون محورية ومفترق طرق على أقل ما يمكن وصفه، وإن كان وصول ترامب للحكم سيمنحها مجالاً لالتقاط الأنفاس نظرًا لأنه مؤمن بأهمية تركيا على عكس باراك أوباما الذي كان لا يرى ذلك.