محمد العسومي

أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي عن برنامج دولة الإمارات لرفع نسبة الطاقة النظيفة والمتجددة إلى 50% من إجمالي الطلب على الطاقة في الدولة بعد ثلاثين عاماً، أي في عام 2050، وهو برنامج طموح يعبر عن رؤية مستقبلية لضمان إمدادات الطاقة، والتي تعتبر أحد الأسس الرئيسة للتنمية. وتحمل هذه الرؤية العديد من الجوانب، والتي يأتي في مقدمتها تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على النفط والغاز، وكذلك تنويع مصادر الدخل وتخفيض ارتباط الاقتصاد المحلي بعائدات النفط، خصوصاً أنه بحلول عام 2050 سيتغير ميزان الطاقة العالمي بصورة جذرية بسبب زيادة حصة الطاقة المتجددة في ميزان الطاقة العالمي. ولكن ما هي المعاير والأسس التي اعتمد عليها التوجه الجديد؟ هناك أسس موضوعية ستدعم بقوة الوصول إلى هذه النسبة الكبيرة لحصة الطاقة النظيفة من إجمالي الطلب على الطاقة في الإمارات، فأولاً: استثمرت الدولة في السنوات الخمس الماضية أكثر من 50 مليار دولار في إنتاج الطاقة المتجددة والنظيفة، وبالأخص في إنتاج الطاقة النووية والشمسية، حيث يتوقع أن يبدأ في هذا العام إنتاج الكهرباء من المحطات النووية في أبوظبي، وكذلك المباشرة في بناء أكبر مجمع في العالم لإنتاج الطاقة الشمسية في دبي.

ثانياً: وجود مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «إرينا» بالعاصمة أبوظبي، مما يتيح فرصاً كبيرة لتحويل دولة الإمارات إلى مركز عالمي لبحوث وابتكارات وتطوير مصادر الطاقة المتجددة، وهو ما يحدث عملياً الآن، حيث تقوم الدولة وتساعد ببناء العشرات من محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأنهار في العديد من بلدان العالم، بما فيها الدول الصناعية المتطورة، كمصفوفة لندن لإنتاج الطاقة.

ثالثاً: تم في السنوات القليلة الماضية إعداد الكوادر الإماراتية القادرة على تنمية مصادر الطاقة البديلة واكتشاف أساليب جديدة لإنتاج الطاقة النظيفة، وهي أحد أهم أسس البنية التحتية الخاصة بإعداد المؤهلات الوطنية القادرة على الإبداع والتطوير، حيث تم تدريب المئات من المواطنين في مجال إنتاج الطاقة الشمسية والنووية واكتسابهم تقنيات متقدمة ستساهم في تطوير مصادر الطاقة المتجددة بما ينسجم وتوجهات الدولة وبرنامجها حتى عام 2050.

رابعاً: توفر المواد الأولية لإنتاج الطاقة المتجددة والمتمثلة في أشعة الشمس على مدار العام في الخليج العربي، مما يعني ضمان استمرار إمدادات الطاقة إلى ما لا نهاية، كما أن هناك مؤشرات على إمكانية اكتشاف اليورانيوم بكميات تجارية في كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، ما سيضمن توفر المادة الأولية لإنتاج هذين المصدرين، خصوصاً أن التوجه الإماراتي تضمن دعوة إلى التحضير لبرنامج خليجي متكامل لزيادة إنتاج الطاقة المتجددة والنظيفة، إذ إن هناك أساساً قوياً لمثل هذه الدعوة يتمثل في الربط الكهربائي الخليجي الذي وحّد عملياً إنتاج الطاقة الكهربائية في دول المجلس.

خامساً: مثل هذا التوجه بحاجة إلى استثمارات كبيرة، وهو ما يتوفر إماراتياً وخليجياً، ويمكن استغلاله لتطوير مصادر بديلة ونظيفة للطاقة، إذ بالإضافة إلى استثمارات الدولة يمكن للقطاع الخاص المحلي والخليجي المساهمة في إنجاز هذا التوجه المهم لمستقبل الأجيال القادمة، خصوصاً أن القطاع الخاص يملك بدوره قدرات استثمارية ومالية هائلة، كما أعلنت السعودية عن استثمار 50 مليار دولار في الطاقة المتجددة في السنوات القليلة القادمة. لذلك، ومع الأخذ بعين الاعتبار البنود السابقة نرى، أن التوجه الإماراتي لم يأتِ من فراغ، وإنما اعتمد على أسس مادية وفنية ومالية وبشرية قوية ستضمن الوصول إلى النسبة المستهدفة، مما يعني تحقيق أحد أهم الأسس اللازمة للتنمية المستدامة، حيث يمكن الاستجابة للدعوة الإماراتية بانضمام بقية دول المجلس إلى هذا البرنامج ليتحول إلى توجه خليجي مستقبلي ستترتب عليه مكاسب كبيرة للجميع وسيساهم في تخفيض التكاليف وفي استقرار وتنمية دول المجلس مجتمعة.