حسام عيتاني

يدخل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كأقل رئيس شعبية للولايات المتحدة، وفق استطلاعات الرأي، مصطحباً معه عدداً لا يستهان به من الملفات القابلة للانفجار في وجهه في أية لحظة.

لكنه سيكون مع ذلك رئيساً كامل الشرعية الانتخابية والدستورية استناداً إلى المعايير والإجراءات التي أوصلته إلى سدة الرئاسة بغض النظر عن الطعن في شرعيته، سواء في تصريحات رمز الحقوق المدنية جون لويس أو في عدم حصوله على الأكثرية العددية من الأصوات.

حدة الانتقادات التي طاولت ترامب بلغت حداً لم تسجله الذاكرة في الصحافة وأوساط المثقفين والأكاديميين والفنانين. المعلق في «نيويورك تايمز» بول كروغمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لسنة 2008، وضع عنواناً لعموده يوم الجمعة الماضي «مع كل عدم الاحترام اللازم»، متوجهاً إلى الرئيس المنتخب بلائحة اتهامية كاملة. زميله في الصحيفة ذاتها تشارلز بلوْ كان قد عبر عن «قرفه» عند استقبال هيئة تحرير «النيويورك تايمز» لترامب بعد انتخابه بأسابيع قليلة. هذا إلى جانب الكلمة التي ألقتها الممثلة ميريل ستريب في حفل جوائز «الغولدن غلوب» الفنية.

بيد أن هذه المواقف والكثير مما يشبهها، لا يلغي الحقيقة القائلة بوجود انقسام عميق وواسع بين النخبة الليبرالية الديموقراطية المتمركزة في المدن الكبرى على الساحلين الشرقي والغربي، وبين أميركا الداخلية الفقيرة التي سئمت من سياسات لا ترى فيها إلا إمعاناً في إفقارها وفرض قيم لا معنى لها عليها، بزعم الصواب السياسي والمساواة والإيجابوية.

شديد الأهمية في هذا المعنى التحقيق الذي نشرته «واشنطن بوست» عن العامل شان بوفيه الذي رأى عالمه الصغير في بلدته المعزولة في ريف ولاية إلينوي، يتداعى من حوله مع مرض أمه المستعصي وبطالة والده وحياته هو البائسة والخالية من الأمل.

رد بوفيه كان في مشاركته المحمومة في حملة ترامب والترويج له كرئيس «سيعيد أميركا عظيمة»، أي سيعيد فتح المصانع وتوظيف العمال العاطلين من العمل ويعالج والدته المريضة... الجائزة التي نالها بوفيه كانت دعوة إلى حضور حفل التنصيب في واشنطن التي سيقصدها للمرة الأولى في حياته بعدما استعار بذلة وحذاء يليقان بالمناسبة. بداهة إن هذا العامل والملايين من أشباهه لا يبالون بالعواقب التي ستسفر عنها سياسات ترامب المقبلة. المهم عندهم أن وضعهم المزري هذا تفاقم في ظل حكومات رفعت شعارات لم تمسّ حياتهم اليومية الحزينة.

تظهر هنا المفارقة أمام كل من لا يزال يؤمن بانحياز العمال والفقراء التلقائي وغير القابل للنقاش إلى جانب نسخ مختلفة من اليسار التقليدي (الحزب الديموقراطي في الحالة الأميركية)، الذي محى الخطوط الفاصلة بينه وبين اليمين بدفاعه عن عولمة غير مقيدة على ما فعل الديموقراطي بيل كلينتون، وفشل في جلب المساواة الموعودة إلى أميركا المنقسمة عرقياً وطبقياً على ما حصل مع الديموقراطي الآخر باراك أوباما.

المفارقة هذه تذكر برواية ماريو فارغاس يوسا الرهيبة «حرب نهاية العالم»، حيث يصطف الفلاحون والعبيد المحرّرون وصغار المزارعين في ولاية باهيا البرازيلية المسحوقة بالجفاف والفقر، إلى جانب راهب يعدهم بالخلاص إذا ناهضوا الجمهورية الجديدة والإصلاح الزراعي وكل ما يمكن أن يرمز إلى التقدم والعدالة الاجتماعية في ذلك الزمن. فقراء باهيا ساندوا الراهب أنطونيو كونسيليرو، وماتوا بنيران مدافع الجيش البرازيلي الجمهوري.

فقراء إلينوي يذهبون اليوم إلى واشنطن بثياب وأحذية استعاروها ليظهروا كما يريد الرئيس الجديد لهم أن يظهروا. الخلاص هو أيضاً شعار رئيس نهاية العالم.