شملان يوسف العيسى

تجتاح عالمنا المعاصر حالياً موجة شعبوية خطيرة، وقد حققت نجاحاً مبهراً في الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة بفوز دونالد ترامب في سباق الرئاسة. ويركز السياسيون المنتمون إلى هذا التيار على القضايا الشعبية التي تدغدغ مشاعر البسطاء من الناس مثل لوم الرئيس ترامب للأجانب في بلاده على كل المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة، حيث شن حملة على المهاجرين الجدد من المكسيكيين والعرب والمسلمين والأفارقة والآسيويين، وقد لاقت حملته قبولاً من شريحة واسعة من الشعب الأميركي مما حقق له الفوز.

هذه الحملة أو الموجة الشعبية بالاتجاه نحو اليمين المتطرف نجدها اليوم في فرنسا وبعض الدول الأوروبية، حيث من المتوقع أن تصل الأحزاب الشعبية اليمينية إلى السلطة في أكثر من بلد. ففي فرنسا مثلاً تقود السيدة لوبان، زعيمة اليمين المتطرف، حملة قوية ضد المهاجرين المسلمين والأفارقة، وتدعي أنهم هم السبب في ارتفاع العنف والإرهاب في فرنسا الآمنة.

هذه الموجة الشعبوية يبدو أنها انتقلت إلينا في بعض الدول الخليجية، خاصة بعد انخفاض أسعار النفط وبدء إجراءات التقشف، ورفع أسعار الخدمات المختلفة، وتباطؤ توظيف العمالة الوطنية في القطاع العام.. حيث بدأ بعض المواطنين البسطاء في العديد من هذه الدول حملة ضد العمالة الأجنبية التي تشكل اليوم العمود الفقري لاقتصاديات الخليج، بل تشكل الأغلبية السكانية في معظم هذه الدول، كما أنها الأغلبية في سوق العمل في القطاع الخاص، وليس القطاع الحكومي الذي يتكدس بالمواطنين الخليجيين.

غضب المواطنين الخليجيين في بعض الدول ضد الأجانب في بلدانهم هو أمر متوقع، وذلك بالنظر إلى الظروف الاقتصادية التي تمر بها العديد من هذه الدول، خصوصاً أن الإقبال على توظيف الكفاءات من الأجانب ازداد في السنوات الأخيرة، بينما هناك مواطنون خليجيون عاطلون عن العمل في دولهم.

غضب البسطاء من الناس قد يكون أمراً مقبولاً، لكن الأمر غير المقبول هو أن يتاجر الساسة من أعضاء مجلس الأمة في القضايا الشعبوية، لكسب رضى الناخبين على حساب الوطن. نواب في مجلس الأمة طالبوا مؤخراً بجلسة خاصة لمناقشة الخلل في التركيبة السكانية، بعد نشر إحصاءات رسمية تفيد بأن نسبة المواطنين في الكويت أصبحت 25% من مجموع السكان، بمعنى أن الأجانب أصبحوا يشكلون ثلاثة أرباع السكان، وحوالي 90% من سوق العمل في القطاع الخاص.

أحد النواب، في محاولة لكسب التأييد الشعبي، طالب بالتخلص من الوافدين العرب والآسيويين في خطوات تدريجية، حتى يشكل المواطنون الأغلبية السكانية. بينما طالب نائب آخر برفع الرسوم والضرائب على الأجانب فقط!

مثل هذا الهجوم الشعبوي من السياسيين لا يمثل رأي الحكومات في الخليج، ولا رأي القطاع الخاص أيضاً، لا سيما قطاعات التجارة والخدمات والعقارات، حيث يرى هؤلاء أنه لا يمكن الاستغناء عن أصحاب الكفاءات من الأجانب الذين يعتمد عليهم الاقتصاد الوطني في معظم الدول الخليجية.

منظمة العفو الدولية وجمعية حقوق الإنسان الكويتية انتقدتا فرض رسوم على العمالة الوافدة دون غيرها، وطالبت الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان بإلغاء مثل هذه الرسوم الاستثنائية.

على دول الخليج الاستفادة مما يدور من حوار وآراء حول العمالة الأجنبية في الخليج، لتفادي بروز التيارات الشعبوية.