ناصر الصِرامي

 سُئل مواطن غربي متابع للشأن المحلي بحكم عمله وتعايشه معنا لسنوات، إلى أي مدى نخجل أو (نزعل) من تكاثر الفتاوى وبعض الآراء الشاذة «مؤخراً»، باسمنا.. تحديداً نحن السعوديين..؟!

لم أعطه إجابة شافية أو كافية، ليس لأني لا أملك بعضها، لكن لأن الخوض في هذا الموضوع لن يقود أبداً إلى مشاعر إيجابية، كما أنه غير الممكن أن تنجح محاولة تحسين السمعة، وفي هذا الأمر تحديداً.

في منتصف التسعينيات الميلادية كان لدى أحد رجال الأعمال السعوديين المعروفين هواية «جمع الفتاوى» الشاذة والغريبة، والخارجة عن السياق والعرف والمعروف!

ورغم تواضع أدوات النشر حينها إلا أنه كان مغرماً بمتابعة مجلات محددة، وصفحات الفتاوى التي كانت تنتشر في الصحف يوم الجمعة، أتذكَّر ذلك الرجل الآن فقط للإشارة إلى أن اجتهادات غير ناضجة لبعض المفتين، بحكم علمهم أو معرفتهم بالعالم، وحتى وإن كانت غريبة وغريبة جداً موجودة باستمرار، حيث المعضلة الكبرى بين الرأي والانطباع والتصور الخاص والفتوى... إلخ ... إلخ..

نشهد الآن - أيضاً - جملة من الفتاوى التي أثارت سخرية واستهزاء الرأي العام السعودي بشكل خاص والمتابعين في العالم الإسلامي، بل ووصلت غرائب فتاوى بعض الدعاة والمشايخ في السعودية إلى وسائل إعلامية أجنبية شرقية وغربية.. وتحولت بعضها إلى فقرات في برامج تلفزيونية تستعرض عادة الأخبار والعجائب والطرائف والأشياء التي لا تصدق!

هذا الأمر المحرج حقاً، دعا البعض إلى مطالبة تدخُّل الدولة ومؤسساتها المعنية لمحاسبة بعض «دعاة الجهل»، من أجل حماية الخطاب الإسلامي وحماية سمعة البلاد في العالم، وبما تعنيه كرمز وواجهة.

مطالبات كثيفة ظهرت بفضل حرية الرأي التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لم يكن مسموحاً أبداً نقد أي خطاب ديني مهما كان مصدره بسبب المجاملة الدينية في الواقع الاجتماعي، فقد جعلوا من انتقاد رجل دين، أو شخص واعظ - حتى وقت قريب - من الممنوعات والمحرمات، بل مواز للدين نفسه!

اليوم أصبحت المطالبات تصدر من محسوبين على المؤسسة الدينية ورجالها، ممن طالبوا بشكل علاني عبر حسابات تواصلهم الاجتماعي الخاصة، بمحاسبة هذا النوع من الفتاوى بسبب ما تظهره من تشويه للإسلام ولنا.

لنتذكَّر أن هذا الخطاب الجاهل موجود دائماً، لكنها نعمة شبكات التواصل التي أظهرت تلك الاجتهادات المتواضعة والمعاقة، والسلوكيات وقصر النظر.. كما أظهرت بعض أصوات الاعتدال والوعي الديني، حيث حرية شبكات التواصل والإنترنت بما تحمله، والتي لن توفر كل ما يعتقد أنه مقدس عن النقد، والكشف على أمل التصحيح!

وكما هو صعب تحقيق تقدم ملحوظ للوعي في زمن القيادة الشعبية للرأي العام، مقابل تراجع ملحوظ للنخبة، أو حجم تأثيرهم.. فإنه من الصعوبة توفير أي خطاب عن النقد مهما افترض حجم قداسته وخصوصيته.

لهذا، أتمنى أن تقتصر الفتاوى على أعضاء هيئة كبار العلماء تنفيذاً للأمر السامي الكريم، وأن يُحاسب من يُفتي وهو ليس ذي صلة بالمؤسسة الدينية، حتى نحدّ من استغلال المنصات الإعلامية في قيام البعض بتقديم فتاوى غير صحيحة لما يُعرض لهم من أسئلة.