إذا كانت المعضلة المستعصية على المكافحة المتمثّلة بظاهرة الخطف في منطقة البقاع احتلت معظم الاهتمامات السياسية والرسمية في ظل الضجة الكبيرة التي اثارها خطف المواطن سعد ريشا وما واكب إطلاقه صباح امس من ملابسات مسيئة للغاية لصورة الامن والدولة والقوى السياسية المعنية سواء بسواء فان سؤالا بديهيا ارتسم فوق المشهد الداخلي برمته يتصل بما بعد هذه الفضيحة التي عكست وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الكثير من تفاعلات الرأي العام معها . فعلى رغم إحصاءات تشير الى تجاوز عمليات الخطف بقصد الحصول على فدية تجاوزت العشرين في السنوات الاخيرة في البقاع وحده أحدثت عملية خطف ريشا وملابسات إطلاقه دويا استثنائيا هذه المرة يتصل بمجموعة عوامل لعل ابرزها انها جاءت في توقيت بدأ معه اللبنانيون يتكيفون مع واقع مستقر بفعل الانطباعات السائدة بان بداية عهد جديد وحكومة جديدة يفترض ان تضع حدا لموروثات ناشزة امنية ولكن العملية شكلت صدمة لهذه الجهة نظرا الى الوقاحة السافرة التي اتسمت بها عملية الخطف على ايدي عصابة محترفة في عز ساعات النهار وفي قلب منطقة بقاعية معروفة بحيويتها التجارية . والأسوأ من ذلك ان اسماء الخاطفين صارت متداولة بعد ساعات قليلة من خطف المواطن السبعيني فيما استعصت عملية إطلاقه وتحريره على ايدي القوى العسكرية والاجهزة الامنية على رغم معرفتها بمكان فرار الخاطفين وتطويقه . ثم انه على الطابع الإيجابي لتوسط احد موفدي الرئيس نبيه بري بسام طليس في هذه العملية اسوة بسابقات لها بدا واضحا ان الدولة كانت ولا تزال اضعف المؤثرين في التعامل الحازم والحاسم مع جماعات الخطف سواء بفعل العامل العشائري او السياسي او حتى المذهبي والطائفي ، الامر الذي اعاد الى الواجهة اخفاق الخطة الامنية التي نفذت ايام حكومة الرئيس تمام سلام بما يطرح السؤال الملح ماذا تراها ستفعل الحكومة الحالية وماذا تراه سيفعل العهد الجديد لمواجهة تجدد عمليات الخطف التي تبقى محتملة وقائمة في اي لحظة ؟ وهل يمكن العهد والحكومة تحمل عمليات خطف جديدة على مشارف استحقاقات كبيرة من مثل الانتخابات النيابية وموسم اصطياف واعد تلوح بشائره مع الانفتاح الرسمي على دول الخليج وسواها ؟ اما البعد الآخر الاكثر اثارة للتساؤلات عما ستقوم به الدولة حيال تجدد هذا الخطر على الامن الاجتماعي لمناطق البقاع فيتصل بموضوع المساعي الجارية على ايدي قوى حزبية معروفة لإيجاد حل لأكثر من ثلاثين الف مذكرة طلب او توقيف او تقص وتحر . ماذا سيكون عليه مصير هذا الملف بعد الضجة الواسعة التي اثارتها عملية الخطف الاخيرة ؟ وكيف ستتعامل القوى النافذة في المنطقة لا سيما منها " حزب الله " وحركة " امل " مع تداعيات عمليات الخطف المتواصلة فيما هي تسعى الى حل ينهي المفاعيل القانونية لعشرات ألوف مذكرات التوقيف ؟ وماذا عن الحكومة والدولة وموقفهما من هذا الملف اذا كان سيصور الامر بمثابة امر واقع بلا ضوابط مسبقة ؟ يبدو واضحا ان الامر شكل تطورا لا يمكن مجلس الوزراء تجاوزه وإهماله ، ويفترض ان يطرح في جلسته المقبلة كأمر ملح ولو من خارج جدول الاعمال بما يبلور الاتجاهات الوزارية والسياسية والامنية لمعالجة ظاهرة خطرة جدا لم تعد تحتمل ميوعة واختباء وراء الأسباب التخفيفية في ظل الاخطار التي تشكلها.