إلى متى يظل عون ينتظر بدء عهده بانتخابات نيابية وتأليف حكومة جديدة؟

اميل خوري

لو أن الرئيس ميشال عون يعلم أو يتوقع عدم التوصل الى اتفاق قانون تجرى الانتخابات النيابية على أساسه في موعده، هل كان قال أمام زواره عندما جاؤوا لتهنئته بانتخابه رئيساً: إن الحكومة المقبلة (وهي الحكومة الحالية) ليست حكومة العهد الأولى، بل هي الحكومة الأخيرة لمجلس النواب الممدّد له مرتين والمنبثق من انتخابات 2009، وأن حكومة العهد الأولى سوف تشكل بعد الانتخابات في الربيع المقبل، أم أنه لم يكن ليقول ذلك ليجعل عهده لا يبدأ إلا مع مجلس نيابي جديد يمثل إرادة الشعب تمثيلاً صحيحاً، وحكومة تنبثق منه وتكون هي أيضاً ممثلة لهذه الإرادة، حتى إذا أجريت الاصلاحات الادارية والسياسية التي وعد بها تكون تعبّر عن وعده للناس بإقامة جمهورية جديدة لها جمهورها الواسع، ولا يكون عهده امتداداً لعهود سابقة.

الواقع أن الرئيس عون يعلم أن مجلس النواب الحالي منبثق من انتخابات أجريت عام 2009 ولم يعد يمثل إرادة الشعب تمثيلاً صحيحاً، وأن وزراء يدخلون الحكومة ولم يتصرف بعضهم عندما كانوا في حكومات سابقة كما تقتضي المصلحة العامة والشفافية والنزاهة، لكنه لم يشأ فتح ملفاتهم لأنه يعتبر أن الحكومة التي تم تأليفها هي وليدة مجلس نيابي ممدّد له حتى منتصف سنة 2017، وهي آخر حكومة تنبثق منه. أما الحكومة الأولى لعهده فهي التي ستنبثق من مجلس نيابي منتخب وفي الموعد الدستوري ومن انتخابات حرة نزيهة تجرى على أساس قانون جديد عادل ومتوازن ومقبول من القوى السياسية الأساسية في البلاد، وأنه سيعمل بكل ما يستطيع لتحسين التمثيل النيابي كي يصير في الامكان تحسين التمثيل الوزاري أيضاً، إذ ليس في استطاعته وحده تحقيق التغيير والاصلاح الذي وعد به ما لم يكتمل تكوين السلطة باجراء انتخابات نيابية حرة نزيهة وعلى أساس قانون عادل ومتوازن يحقق التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله، وحكومة منسجمة ومتجانسة قادرة على مكافحة الفساد قبل أن يصبح وحشاً يصعب القضاء عليه، وقبل أن يصبح للسارق أجنحة يطير بها هرباً من الممارسة والمساءلة. فعندما يوضع الوزير الصالح في المكان الصالح وتصطلح دوائر الوزارة من تلقائها حتى من دون حاجة الى قوانين، لأن الوزير النزيه والشفّاف يستطيع تنظيف وزارته من كل مرتكب ومختلس عندما يضع على رأس كل إدارة من هو شبيه به بالنزاهة والشفافية، فالنظافة والنزاهة والشفافية هي مسألة أخلاق قبل أن تكون مسألة قوانين. فصاحب الأخلاق الحميدة والضمير الحي لا يحتاج الى قانون يطلب منه التخلص من المواد الغذائية الفاسدة مثلاً حرصاً منه على حياة الناس وسلامتهم، بل يفعل ذلك من تلقائه وبوحي من ضميره وسمو أخلاقه. لذلك فإن الشفافية تسود كل إدارات الدولة ومؤسساتها عندما تبدأ من رأس الهرم الى القاعدة كي لا يصبح الفساد أزمة أخلاق.


والسؤال المطروح الآن والمثير للقلق هو: ما العمل إذا لم تجرَ الانتخابات النيابية في موعدها وعلى أساس قانون عادل ومتوازن يحقق التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله ليصير في الامكان تأليف حكومة العهد الأولى التي تأخذ على عاتقها مسؤولية اجراء التغيير والاصلاح وبوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وإخراج غير المناسب من المكان غير المناسب، حكومة تتألف من وزراء مشهود لهم بالنزاهة والخبرة والنظافة والورع ليبدأ معها العمل المجدي والمثمر لمصلحة كل الوطن والمواطنين، فيقضى على أي شكل من اشكال الفساد ولا يعود يسمع الناس بارتكاب الفضائح وعقد الصفقات ولا من رقيب ولا حسيب؟ وما العمل إذا استمر الوضع الراهن، فلم تجر انتخابات نيابية ولا كان مجلس نيابي جديد ولا حكومة جديدة تُعنى بما وعد به الرئيس عون، والى متى يظل رئيس الجمهورية ينتظر الاتفاق على قانون جديد مع حكومة لا يعتبرها الحكومة الأولى لعهده، وماذا في استطاعته أن يفعل اذا ظلّت أيام ولايته تمضي وكأنها امتداد لعهود سابقة وحكومة ليست حكومته ومجلس ليس منبثقاً من انتخابات نيابية جديدة معبرة عن إرادة الشعب، بل من مجلس نيابي منبثق من انتخابات 2009 ولا تعبّر تعبيراً صحيحاً عن هذه الإرادة، ولا يبدأ بها عهده؟
إن لبنان هو الآن أمام مأزق انتخابات نيابية أشدّ خطورة من مأزق الانتخابات الرئاسية، وصار لا بد من قرار يتحمل مسؤولية اتخاذه رئيس الدولة والحكومة وكل القوى الفاعلة، وإلا عاد الناس الى الشعور بخيبة الأمل.