سمير عطا الله

عندما أسافر على طائرات الشركات الدولية، أفعل ما يفعله سواي: أتوجه إلى مقعدي، وأجلس، وأربط الحزام. ثم أنتظر ما يعرضه طاقم الطائرة على المسافرين، أولاً بأول. لكن عندما أكون مسافرًا على «طيران الشرق الأوسط»، أشعر، عفويًا، بأنني في بيتي وبأن ثمة معرفة سابقة مع أفراد الطاقم، فبدل التوجه إلى مقعدي، أتوجه مباشرة إلى «المطبخ» وأنتقي ما أشاء من الصحف، غالبًا جميعها، وبعدها أمضي إلى مقعدي وقد ضمنت أنه لن تنقصني أي صحيفة عندما تمر المضيفات بها بعد الإقلاع.
غبت عن بيروت نحو عشرة أشهر على غير عادة. وفي العودة من باريس فعلت بصورة تلقائية ما أفعله دومًا: توجهت مباشرة إلى عربة الجرائد، وأخذت نسخة منها جميعًا. قبل الإقلاع، كنت قد قرأت، أو تصفحت، نصفها تقريبًا. وشعرت بضيق حقيقي. هذه أول مرة أذهب إلى عربة الجرائد وليس فيها «السفير»، إحدى الصحف الرئيسية في البلد. ثم شعرت بنقص آخر لم أنتبه إليه في البداية: جميع الصحف قلَّت صفحاتها إلى العدد الذي كانت تصدر به في الخمسينات.
تعودت أن أقرأ خلال الرحلة، كل شيء، خصوصًا نوعية المادة التي لا أقرأها «على الأرض» إلا في حالات نادرة جدًا. أي المجلات غير السياسية في معظم أنواعها. ومن طقوس القراءة، أنه عندما أفرغ من الصحف أقوم إلى جيب، أو «جراب» المجلات في مقدم الطائرة، وأحمل منها ما توافر لأكمل الرحلة بقراءتها. هذه المرة تأملت «جيب» المجلات من بعيد، فوجدته خاليًا تمامًا. واستوضحت المضيفة ما حدث، فاعتذرت، أنها لا تعرف ماذا حدث.
المؤسف، أنني أعرف. لقد انقضى عصر المجلات. ليست العربية وحدها، بل الغربية أيضًا. في مرحلة ما كانت «تايم» الأسبوعية في أهمية الـ«نيويورك تايمز» وأكثر انتشارًا حول العالم بكثير. وكانت «نيوزويك» تشاركها، أو تنافسها، أسواق العالم، فلم تكن هناك مدينة لا تصل إليها، من بلغراد إلى جاكرتا. وكانت مجلة «لايف» المصورة توزع نحو عشرة ملايين نسخة. كل ذلك عصر مضى. ومضى معه عصر المجلات السياسية، اللبنانية والمصرية، التي كانت توزع بالآلاف وتدر الإعلانات بالملايين. وكم هو محزن ألا ترى في إحدى الصحف اللبنانية الكبرى برمّتها، سوى إعلان واحد من ربع صفحة.
كانت الرحلة إلى بيروت على «طيران الشرق الأوسط» ممتعة كالعادة، لكن بالنسبة إليّ كصحافي، كانت كأنها عكس الزمن. فعندما بدأت العمل في الصحافة كانت الثماني صفحات قد أصبحت زمنًا غابرًا.