صالح الديواني 

طالعت قبل أيام خبرا يقول، إن مجمعا للغة العربية في مكة المكرمة يحاول البحث في إيجاد مصطلحات تعريبية وتسميات مناسبة لمصطلحي "مترو، وترام" الأعجميين، وخرج الباحثون بنتيجة تفيد بتعريب الأولى إلى "قطار الأنفاق"، وتعريب الثانية إلى "قطار الشوارع"، وكم كانت دهشتي عظيمة من هذه النتيجة الهزيلة التي لا تحمل ما يفيد ببذل جهد كبير أفضى إليها.
ولأننا نحن العرب لسنا أصحاب منجز الآلة ولا الفكرة، وبالتالي، ستأتي النتائج ضعيفة كهذه مثلا، فالمتأمل للتسميتين الجديدتين سيعرف أننا فشلنا في الوصول إلى اختصارات أو ابتكارات لغوية ممكنة، لها القيمة الدلالية نفسها للمصطلح الأصلي، وهذه نتيجة طبيعية، عطفا على وفود المصطلحين من ثقافة أخرى تمتلك بطاقة ملكية المنجز. 
فهل عجزت اللغة، أم عجز اللغويون عن استحداث مقنع لتسمية أو تعريب الجديد؟
تبقى اللغة أهم طرق التواصل الإنساني، وهي التي يصنفها البعض على أنها مجموعة النبرات الصوتية، تُشكل في مجموعها مخارج صوتية بعينها، تختلف من ثقافة إلى أخرى، وكعادة العلوم الإنسانية التفاعلية، فإنه لا يوجد تعريف محدد للغة، ويُعزى سبب ذلك إلى ارتباطها بكثير من العلوم، حسب رأي بعض المتخصصين.
اللغة التي أتحدث عنها هنا، هي تلك التي تعتمد الحرف والكلمة وسيلة تعبيرية عن المضمون بالشكل والعلامة، المعروفة بلغة التواصل البشري. والعربية هي أحد أهم اللغات الاتصالية العالمية، كوسيلة تقدم كثيرا من الدراسات اللغوية الإنسانية المندرجة تحت مظلة "علم اللسانيات". 
وقد سجلت العربية، ككل اللغات العالمية الأخرى، مواقف متباينة إزاء ما يُعرف بأزمة المصطلح، واختيار التعريف المناسب للمتجدد والطارئ الحضاري صناعيا وتقنيا وثقافيا على اليوميات الإنسانية، وهو ما أوجد الحاجة الملحّة إلى العلوم التصنيفية، أو ما يسمى بالمنهج المقارن الذي انطلق في أوروبا على يد الألماني "شليجل" في بدايات القرن التاسع عشر، والذي قال عن تشابه اللغات العالمية وتأصيل فرضية صلة القربى بينها جميعا، وليستمر ذلك حتى منتصف القرن العشرين الذي ظهرت فيه أطروحة "المنهج التقابلي"، كأطروحة تبحث في محاولات إيجاد علاقة ونقاط تقارب بين اللغات التي لم تثبت صلات فيما بينها، وقد كانت اللغة العربية إحدى اللغات التي وقعت في أزمة المصطلح وتباينه وحداثته وتنوعه، نتيجة المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على العالم بأسره، وبطغيان مصطلحات اللغات الأخرى الأساسية على الحياة العامة واليوميات على اللغة العربية، فكان لا بد من فهم الثابت والمتحول للخروج من هذا المأزق التاريخي للغة العربية، ولنا في مأزق فهم مصطلح "الحداثة" والتماهي معه، وما أفرزه من الخلافات حول تبعية التسمية أو البحث عن تعويض تعريبي للترجمة، خير مثال على ذلك، الأمر الذي يدفعنا للاعتراف بوجود قصور ما على مستوى الفهم الطبيعي والميتافيزيقي للمصطلح وآلياته. 
ويُعزى ذلك إلى تعدد أشكال وأوضاع المفهوم للمصطلح اللساني العربي، وهو ما لا يمكن استيعابه والتواصل معه عن طريق البحث الفردي الاجتهادي، كما هو حاصل الآن في كثير من الدراسات العربية، وما تشير إليه نتائج المؤتمرات التي تبحث عن الحلول، من رتابة الذهنية العربية وطريقتها في التعامل مع المطروح، وضعف استيعاب محورَي "فقه اللغة" الذي يُعنى بدراسة التراث المخطوط بالدرجة الأولى، و"علم اللغة" الذي يتلخص في تقليب جانب النحو والصرف وما إليهما من الصوت والمخرج والمعنى، وقد أدى ذلك الضعف إلى الخلط بين مذهبيهما الاصطلاحيين، والذي يمكن أن نعزوه إلى غياب العمل المؤسسي المنظم وفق رؤية واضحة، ومنظومة عمل تعتمد فك الإشكالات الاصطلاحية اللغوية بمنهجية تستوعبه وتحتويه، بدليل جنوح فكر كثير من المؤسسات الإعلامية واستخداماتها الغريبة لبعض المصطلحات المستحدثة في غير محلها، كاستخدام مصطلح "إسلاميون" مثلا للإشارة إلى الجماعات الدينية الإسلامية، ولا أدري هل المقصود به الإشارة إلى معتنقي الدين الإسلامي، أم تلك الحركات والتنظيمات المتطرفة التي تتبنى شعاراته؟ 
ففي ذلك تلاعب واضح ومُربك ينفي صفة الإسلام عن غير المنتمين لتلك الفئات، وهذا نموذج بسيط لأزمة فهم المصطلح في الثقافة العربية، يجعلنا إزاء ورطة حقيقية لا يبدو الخروج منها قريبا وممكنا في الوقت الراهن.