محمد السلمي

مزاعم النظام الإيراني عن محاربته الجماعات الإرهابية، وتصديه لما يسميه "قوى الاستكبار العالَمي"، وادعاؤه دعم محور المقاومة، وما شابه ذلك من شعارات يرددها هذا النظام، ما هي إلا حُجج لا هدف من ورائها إلا تضليل الداخل الإيراني

يخوض النظام الإيراني كثيرا من المعارك والحروب خارج حدوده، سواء في العراق أو سورية أو لبنان أو اليمن، أو غيرها من الدول، فلماذا يخوض النظام هذه الحروب التي تكلفه ميزانية طائلة خارج حدوده؟
يمكن تفسير هذا الأمر بعدة أسباب رئيسية، لعل من أهمها رغبة النظام الإيراني في أن يشغل الداخل الإيراني عن المشكلات الكثيرة التي تهدد المجتمع الإيراني، وتجعله على شفا حفرة من الانهيار، بعد تفشي المشكلات الاجتماعية فيه، من انتشار الإدمان، وازدياد معدل الطلاق وظاهرة ساكني القبور، وتفشي البطالة وتعطل المصانع، وغيرها من المشكلات الاجتماعية التي لا تنتهي، بالإضافة إلى الاستحقاقات المختلفة التي تبحث عنها الأقليات الدينية والعِرقية، وما يستتبعه ذلك من مطالب سياسية واجتماعية متعددة، يتهرب منها النظام عن طريق التحجج بالمعارك التي يخوضها خارج الحدود.
كذلك يسعى النظام من خلال هذه الحروب إلى التملص من الوعود الوهمية المتراكمة التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة للشعب، والتي يستمر النظام حتى الآن في إطلاقها، والتي لم ينفذ منها شيئ بعد، فلا وسيلة للتملص من كل هذا إلا أن "البلاد تخوض معارك في الخارج، وهذا أهم وأخطر من مشكلات الداخل".
وللنظام الإيراني بالإضافة إلى هذه الأهداف الداخلية، أهداف أخرى خارجية، يحاول تحقيقها من خلال هذه الحروب والمعارك، إذ يسعى النظام الإيراني إلى تحقيق مشروعاته السياسية والطائفية في المنطقة، خصوصا في الدول العربية التي له نفوذ فيها، كما في العراق وسورية ولبنان واليمن، عن طريق إرسال ميليشياته الإرهابية، الإيرانية وغير الإيرانية، ودعمها بالسلاح والعتاد والمال، بالإضافة إلى ما تنفذه قوات الحرس الثوري من مهام متعددة في تدخل سافر في شؤون بعض دول المنطقة، وغير ذلك من الوسائل التي يسعى عن طريقها إلى شَغْل تلك الدول وزعزعة الأمن والاستقرار فيها، وهو بهذا يرسل رسالة إضافية إلى الداخل الإيراني، مفادها بأن "دول المنطقة تعيش حالة من الفوضى الأمنية والاضطراب السياسي، وعلينا أن نحمي حدودنا ونمنع هذه العدوى من الانتقال إلى داخل بلادنا".
ويستغل النظام الإيراني هذا الوضع ليتمكن من خلاله من التصدي لأي حراك داخلي مُعارِض له أو مُقلِق، وذلك بتوجيه بعض التهَم التي لا ينفك يطلقها على كل معارضيه، فإما يقول إنهم عملاء لقوى الاستكبار، كما فعل عام 2009 مع أعضاء وقادة ما يُسَمى بـ"الحركة الخضراء"، وإما يزعم أن هذا الحراك هو محاولة من الدول العربية في المنطقة تهدف إلى إرباك الأمن الإيراني، بسبب ما ينتشر في هذه الدول من شعور بعدم الرضا، بسبب ما يَسُود في إيران من استقرار وسط منطقة ملتهبة، أو العزف على الوتر الطائفي عبر مزاعم أن إيران حامية أقليات الشيعة المضطهَدين والمستضعَفين في المنطقة، زاعما أن الشيعة العرب يُضطهَدون في بلادهم، على الرغم من أن واقع حياة الشيعة العرب أفضل مئات المرات من واقع حياة الشيعة داخل إيران ذاتها.
بهذه السبُل تبرر طهران أفعالها أمام الشعب الإيراني، تدعي أنها تذهب لقتال الأعداء في أرض الأعداء، حتى لا يصل القتال إلى الداخل الإيراني، ومن ذلك قول المرشد الإيراني خامنئي: "نحن نقاتل في سورية كي لا نحارَب داخل حدودنا"، وكذلك تصريحه: "لو لم نردع الأشرار ودعاة الفتنة من عملاء أميركا والصهيونية في سورية، لكنا نصارعهم في طهران وفارس وخراسان وأصفهان"، وقد فسر خامنئي هذه السياسة وهاجم منتقديها في ديسمبر 2016 قائلا بوضوح قاطع: "علينا قمع العدو عند حدوده"، ولعل هذا كان الموجه لتصريحات رجل الدين الإيراني مهدي طائب التي منح من خلالها سورية أهمية أكبر من أهمية إقليم الأحواز ذي الأغلبية العربية في إيران.
إن مزاعم النظام الإيراني عن محاربته الجماعات الإرهابية، وتصديه لما يسميه "قوى الاستكبار العالَمي"، وادعاءه دعم محور المقاومة، وما شابه ذلك من شعارات يرددها هذا النظام، ما هي إلا حُجَج لا هدف من ورائها إلا تضليل الداخل الإيراني، والخارج الدولي، وتصدير الوهم إلى الخارج عن طريق الشعارات الشعبوية. كل هذا انكشف أمام دول المنطقة وحكوماتها التي تتابع الشأن الإيراني عن كثب، ولكن بعض دول الغرب لا يزال يسعى للتعاون مع إيران، ويتحدث عن أهمية التعاون مع النظام الإيراني لمواجهة الإرهاب بالمنطقة، على الرغم مما في ذلك من تجاهُل لتلاقي مصالح النظام الإيراني مع مصالح الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى حماية طهران لرموز بعض الجماعات الإرهابية، حتى وصل الأمر إلى استضافتهم في داخل إيران، وتقديم جميع سبل الدعم المادي والمالي واللوجيستي.
هذه السياسة وهذا الأسلوب، المدعومان بهذه المزاعم والافتراءات، يجب على الإعلام العربي العمل على فضحهما وكشفهما أمام الشعب الإيراني قبل الشعوب العربية، وتأكيد أن كل هذه المزاعم غير صحيحة، وإنما هي مجرد محاولات من النظام للتغطية على مشروعاته الخارجية، على حساب المستوى المعيشي للشعب الإيراني، ضاربا بمطالبه ومستواه الصحي والمعيشي عرض الحائط، متجاهلا تفشي إدمان المخدرات بين الأطفال والنساء، ناهيك عن تفشيها بين الشباب، بالإضافة إلى غول الغلاء الذي ينهش المواطنين من ناحية، وأزمة البطالة التي تلاحقهم من الناحية الأخرى.
إن الإعلام العربي يمكنه الاعتماد في كشف هذه الجريمة على الأفلام الوثائقية والتقارير الإخبارية، وتوجيه القنوات التلفزيونية إلى الداخل الإيراني، سواء عن طريق الأقمار الصناعية، أو عَبْر مواقع الإنترنت، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي التي يمكنها توصيل هذه الرسالة بكفاءة وقوة. وبذلك العمل يقدم خدمة جليلة لدول المنطقة وردع التدخل الإيراني، ولكن الأهم نقل المعركة الإعلامية إلى الداخل الإيراني، وفضح نظام الولي الفقيه وممارساته وهي الخدمة الأهم التي يمكن المساهمة بها لمساعدة الشعوب المقموعة داخل ما يسمى بجغرافية إيران، واختراق حالة الأدلجة الإعلامية، وحجب الحقائق عنهم.