محمد برهومة

يصل التفاؤل ببعضهم إلى حدّ القول إنّ افتتاح المركز الإقليمي لحلف «الناتو» في الكويت، الثلثاء الماضي، في إطار مبادرة إسطنبول للتعاون، هو بمنزلة ردّ سريع من قبل الحلف على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، غير الإيجابية حيال الحلف، وحيال حديثه عن «حماية الحلفاء إنْ هم دفعوا» فقط. لكن ما يُضعف وجاهة هذا القول المتفائل أن الإعداد لافتتاح هذا المركز يجري منذ شباط (فبراير) الماضي، حين وقّعتْ الكويت اتفاقية مع «الناتو» لتسهيل عبور قواته.

والحقيقة أنّ صيغة التعاون القائمة بين الحلف والدول الخليجية يشوبها عدم الرضا الكافي، بدليل عدم انضمام السعودية وسلطنة عمان لمبادرة إسطنبول حتى الآن، على رغم مرور نحو ثلاثة عشر عاماً على انطلاقها، وطيلة هذه المدة لم يُصَر إلى تطوير المبادرة إلى شراكة أمنية فاعلة، لأسباب عدة منها:

أولاً، اقتصار التعاون والتنسيق الأمني في إطار مبادرة إسطنبول على صيغة «28+1»، أي التعاون مع الحلف الأطلسي كمنظمة جماعية مقابل تعاون ثنائي مع كل دولة خليجية على حِدة، واستمرار استثناء 70 في المئة من القوة العسكرية الخليجية، وهي النسبة التي تمثلها الرياض ومسقط.

ثانياً، على رغم المشاركة الخليجية العسكرية للحلف في أفغانستان وليبيا، لم يقبل «الناتو» أي مشاركة في اليمن أو سورية، سواء بسبب الممانعة الأميركية أو لتباين وجهات النطر بين دول الحلف حيال الدعم العسكري لدول «مجلس التعاون».

ثالثاً، لم تتطور الشراكة العسكرية بين «مجلس التعاون» و «الناتو» بمقدار تطور شراكة دول غربية منفردة مع دول الخليج منفردة أيضاً. وهذا يكشف ربما أنه ليس ثمة أدوار فعلية يقوم بها «الناتو» لحفظ أمن دول الخليج من التهديدات الخارجية، وهو ما جعل الحاجة ماسّة لتقديم نسخة جديدة من مبادرة إسطنبول.

رابعاً، لعل أهم ثلاثة عناوين لهذه النسخة الجديدة التي يمكن اقتراحها هي: التعامل مع «مجلس التعاون» كمنظمة جماعية، والشراكة الخليجية-الأطلسية في الحرب على الإرهاب، وتطوير الشراكة باتجاه عدم اقتصارها على ما يسميه الخبراء «الأمن الناعم»، وهو ما عبّر عنه الأمين العام لـ «الناتو» ينس ستولتـنبرغ، لدى افتــتاح مقر الحلف في الكويت، بتركيزه على أن الدعم الذي سيقدمه الحلف يشمل إدارة الأزمات والتدريب والأمن الإلكتروني وأمن الطاقة والحوادث والطوارئ، فيما صَرَف باحثون وقتاً كبيراً في دعوة الحلف لتبني «شراكات أمنية ذكية» بعدما فقد الحلف كثيراً من أدواره بعد انتهاء الحرب الباردة.

ولا ندري، فيما لو لم يتجه الحلف لإنجاز خطوات كهذه كفيلة بتجديده، ما إذا كان سيصدق عليه قول ترامب إنه «صار بائداً»؟!


* كاتب أردني