روزانا بومنصف

يظهر مسؤولون كبار اغتباطهم الكبير بطبيعة الزيارات الديبلوماسية التي تتوالى للبنان منذ انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، ويعتبرونها دليل ثقة بلبنان ونقطة قوة تسجل لمصلحته ولمصلحة التسوية السياسية التي أتت بالعماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية والرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة. 

ويدرج هؤلاء المسؤولون الزيارات في اطار زخم كبير يمكن ان يزيد ولن يتراجع نظرا الى الحاجة التي يمثلها لبنان كمنصة اقليمية، في ظل ما يحصل في المنطقة، على رغم ان سياسيين يدرجون ذلك في الاطار الطبيعي مع انطلاق سلطة جديدة في الحكم، وخصوصا بعد إنهاء فراغ مؤسساتي دام أكثر من عامين. 

لكن ما لا يبدو مريحا في رأي هؤلاء السياسيين أن تطفو سريعا الخلافات السياسية بخلفية البحث عن قانون انتخاب جديد في ظل المشهد الجديد الايجابي الناشئ في لبنان، والذي يكمل الاشهر الثلاثة لانطلاقه مطلع الاسبوع المقبل. فمع أن وزراء وسياسيين كثرا فهموا كلام رئيس الجمهورية ميشال عون الملوح بتفضيل الفراغ على اجراء انتخابات على قانون الستين او التمديد لمجلس النواب، على أنه في إطار الضغط السياسي المشروع من اجل حض الافرقاء السياسيين على الاتفاق على قانون انتخابي جديد، فإن المقاربة على قاعدة تفضيل الفراغ على استمرارية المؤسسات، ايا يكن وضعها، لم يحبذها سياسيون كثر، وقد رأوا فيها ما يمكن ان يعيد احياء ممارسات سابقة اذا قيست بفراغ رئاسي لمدة عامين ونصف عام. 

لقد تم فهم ذلك طبعا في اطار ان الفراغ أسوأ من التمديد، فيما يتحدث رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الاسوأ دائما بهذا المعنى. لكن هناك ما سبق موقف رئيس الجمهورية المتصل بمواقف أفرقاء مسيحيين على غرار "التيار الوطني الحر"، وهو تيار الرئيس عون الذي تحدث عن احتمال اللجوء الى الشارع، وكذلك مواقف أفرقاء آخرين، ولو بنسبة اقل اشارت الى اجراءات يمكن اللجوء اليها في حال عدم التوصل الى قانون انتخابي جديد بات يثير نقزة استباقية اذا صح التعبير، او على نحو مبكر. 

ومع انه لم يفهم في وجه من يمكن ان يستخدم الشارع مثلا او الضغوط التي يمثلها، خصوصا ان رئاسة الجمهورية باتت في عهدة التيار العوني، وأظهر الرئيس عون انه يمتلك مواقف يمكن ان يستخدمها كما فعل في جلسة مجلس الوزراء، فإن هذه المؤشرات ترسم خشية ان تعود الامور الى السابق بأسرع مما كان يتم الاعتقاد على الصعيد السياسي.

التفهم واسع لمواقف رئيس الجمهورية الذي كان دأبه التنديد بقانون الستين او بالتمديد لمجلس النواب، ومن حقه أن يرفض القول انه لم يبدأ بنقلة نوعية في مطلع عهده تتمثل في قانون الانتخاب واجراء انتخابات على اساسه، وهو امر قد يجد تأييدا واسعا خصوصا لدى مناصريه او لدى المسيحيين عموما. 

لكن السلبيات التي يخشاها تتمثل اولا في هذا التناقض او التعارض في المواقف مع النائب وليد جنبلاط، علما ان مواقف كل الافرقاء التي تنطلق من الحفاظ على الموقع الطائفي وتعزيزه تنسحب على الواحد مثلما تنسحب على الآخر. فالمحافظة على الدروز بقوتهم وعزتهم ينبغي أن تكون اولوية قصوى ليس لدى رئيس الجمهورية فحسب، بل لدى الافرقاء المسيحيين الذين لن يناسبهم ايا تكن مكامن استمدادهم لقوتهم الراهنة ومحاولة الحصول على اقصى ما يمكن لمصلحة تحصيل المزيد مما يمكن الحصول عليه لكل منهم، ان ينشأ اي خلاف بين الجانبين ولو ظاهريا، علما ان الاستياء السياسي لدى الطائفة الدرزية واضح مما يجري. 
وما قاله رئيس "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع بعد استقباله وفد "اللقاء الديموقراطي" مفيد وقيم في هذا الاطار. اذ يفهم الشد والجذب في محاولة كل فريق تحديد شروطه وما ينسابه، فهذا ليس امرا غريبا او غير معهود في لبنان، لكن الاهم عدم تحوله الى اكثر من ذلك، مما قد يفتح جروحات قديمة لا تزال طرية في الوقت نفسه. من السلبيات ايضا، على رغم ان النقاش السياسي ضروري ومطلوب في كل المراحل، ان انطلاق السلطة الجديدة لا يزال في بداياته، إذ تفد الى لبنان شخصيات رسمية ووفود تسعى الى ان تبني مع لبنان على قاعدة الانطلاقة الجديدة وتزخم هذه الانطلاقة خصوصا بعدما اعطت المدة التي انقضت منذ انتخاب الرئيس عون وتشكيل حكومة برئاسة الحريري على ضآلتها، مؤشرات تقول مصادر ديبلوماسية انها تنوي تشجيعها وتبني عليها، لان ما دون ذلك كان في ظل رسم علامات استفهام كبيرة حول انطلاق رئاسة يعرف الجميع الظروف التي حالت دون انجازها خلال ما يزيد على عامين. 

فهناك ما يستدعي عدم اثارة نقزة ليس لدى الدول المندفعة في اتجاه لبنان متيحة له الافادة مما يمكن ان تقدمه في ظل سلطة جديدة متضامنة تستطيع ان تقدم موقفا موحدا في بعض المسائل الحساسة فحسب بل لدى رجال الاعمال والمستثمرين اللبنانيين وسواهم الذين لن يكتفوا بالمؤشرات الايجابية التي لاحت حتى الان وينتظرون المزيد خصوصا عشية انتخابات نيابية يفترض ان يكون التصارع قائما على تحديد توازناتها من الان وعبر القانون العتيد للانتخاب. ويلفت سياسيون في هذا الاطار الى ما نقل عن رئيس الجمهورية على اثر استقباله مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي فيديركا موغيريني من عزمه على اجراء الانتخابات في موعدها وبقانون جديد لا يقصي احدا.