خفايا ما يحصل في مطبخ العلاقة الأردنية ـ الخليجية: صيحة «أفرطت قليلا» في هتاف «نحن في خطر»

 بسام البدارين

خيط لا يمكن تجاهله يربط بين الشخصيات الاردنية التي انتقدت دول الخليج وتحديدًا السعودية وهاجمت تجاهلها للوضع الاردني الحساس.

ثنائي البرلمان احمد الصفدي رئيس اللجنة المالية وطارق خوري رئيس نادي الوحدات كلاهما تحدث عن عتب يتجاوز المرارة على تجاهل منظومة الخليج للدور الاردني في حماية المنطقة.
الصفدي وخوري تبادلا تمرير الكرة والالتقاط في هذا السياق وحاولا اظهار الامر باعتباره مجرد صيحة من ممثلي الشعب يمكن التنصل منها ببساطة رسمياً كما يمكن استثمارها في مفاوضات خلف الستارة لها علاقة بطول انتظار استثمارات سعودية موعودة.
كان يمكن لمحاولة الثنائي الصفدي وخوري ان تعبر بسلام لولا الصيحة الاكبر التي صدرت عن ارفع شخصية دينية في الهرم الرسمي الاردني في خطبة جمعة شهيرة من الواضح انها تجاوزت في تأثيراتها مساحة العلاقة الاردنية الخليجية والعتاب المر باتجاه رداء ديني يبدو انه بالغ قليلاً في الحديث عن ازمة الاقتصاد والمال المحلية ومن جهة ليست ذات اختصاص.
انضمام الشيخ أحمد هليل رغم ان الصفدي قال انه يعارضه انتج مناخاً ملتبساً في عمان. لكن الحبل الرابط بين الشخصيات الثلاث لا يمكن انكاره او اعتباره غير موجود وبالتالي من المرجح ان جهة ما حبكت الروايات الثلاث باتجاه ايصال رسالة ليس من الواضح بعد ان كانت مبرمجة ومقصودة او ان صدرت اصلاً على خلفية مشكلة اردنية ومزمنة اسمها تعدد المرجعيات. هي رسالة صارخة بكل الاحوال وضعت لأول مرة علاقات الاردن بالخليج والسعودية في دائرة التنابز الاعلامي وسط جماهير وسائط التواصل النشطة سواء تلك التي في الاردن او في بعض دول الخليج.
لا توجد ادلة مباشرة او ملموسة على ان الرسالة الثلاثية حظيت قبل انطلاقها وترتيبها وانضاجها بتوافق مؤسساتي اردني بمعنى انها تقررت في مطبخ مركزي يقصد ما يقوله ولديه اهداف اعمق.
لا يوجد بالمقابل قرائن من اي نوع يمكن الرهان عليها لنفي واقعة حصول ترتيب بين الاشخاص الثلاثة او حصولهم على ضوء اخضر ما له صفة رسمية لا من حيث التزامن والتوقيت ولا من حيث مضمون الكلام الذي يعكس بكل الاحوال ازمة صامتة تستطيع «القدس العربي» ان تؤكد انها نوقشت مرات عدة في ارفع قنوات القرار المغلقة وتحت عنوان خسائر انتظار المساعدات السعودية ومكاسب التنويع في العلاقات السياسية خصوصاً مع ايران وروسيا وتركيا.
لا يمكن بكل حال شراء الرواية التي تقول بأن اياً من الصفدي او خوري او الشيخ هليل جازف بموقف علني من هذا الموضوع الحساس والشائك باجتهاد شخصي ليس فقط لان المسؤولين الثلاثة محسوبون على السلطة ومعروفون بالتشاور الدائم والمسبق. ولكن ايضاً لان رسالة متزامنة ثلاثية من هذا الحجم كان ينبغي على الاقل ان تكون المؤسسة السياسية للحكومة بصورتها وان لا تظهر مؤسسة الديوان الملكي على الاقل وكأنها بعيدة عنها.
بكل الأحوال يمكن قراءة سيناريوهين لهذه الصيحة الاردنية المدوية التي خلطت العديد من الاوراق.
السيناريو الاول يمكنه ان يتحدث عن تقاسم ادوار ورسالة وجهت بصفة غير رسمية وتحت غطاء برلماني وديني لكن في الاطار المرجعي.
وفي السيناريو الثاني قد لا تتجاوز المسألة برمتها ظهور متجدد لكن في موضوع حساس لعارض تعدد المرجعيات في الاردن بمعنى ان جهة ما هي التي اوعزت او قررت او وافقت بينما بقية الجهات في الدولة لم تكن بالصورة.
النظريتان قابلتان للتصديق وبصرف النظر عن حقيقتيهما يمكن القول بان الازدواجية والفردية والتعددية في المراجع ظهرت مجدداً على رموز السلطة في بلد يواجه ظرفاً في غاية الحساسية والتعقيد وتلك بكل الاحوال مسألة أخرى.
تبرز عناصر مرض التعددية المرجعية ويعززها الموقف العنيف الذي اتخذه مجلس الوزراء كسلطة سياسية وفي اليوم التالي لخطبة الشيخ هليل عندما أقاله من مناصبه الاربعة التي وزعت لاحقاً على أربعة مشايخ. مؤسسات مهمة في البعد الاقتصادي لم تكن راضية عن جوهر الرسالة الاقتصادية والمالية التي انطوت عليها خطبة الشيخ هليل ويشمل ذلك رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي شخصياً ومؤسسة مهمة مثل البنك المركزي ونحو ثلثي طاقم الحكومة الاقتصادية حيث اعتبرت هذه الاطراف ان الوضع كما رسمه هليل غير دقيق وان الحكومة لا تريد اصلا بناء هذه الصورة السلبية ولا تستسيغ فكرة أن الاردن في خطر إضافة لان السلطة الحكومية عانت وفوراً من تأثيرات تصريح الشيخ هليل داخلياً.
على ضوء ذلك رحل الشيخ احمد هليل عن جميع مناصبه ودفع ثمن اجتهاد شخصي في النص نتج فيما يبدو عن توجيه مشوش وغير منسق على المستوى السياسي.
قد ينتهي الامر بفوائد متعددة لما قاله هليل ورفيقاه الصفدي وخوري لكن الثابت المرجح مجدداً وفي اللغة المحلية الاردنية وبعيداً عن ملف دول الخليج هو ان الامر برمته كشف مجدداً عن عيب بيروقراطي كبير ومستوطن اسمه تعدد المرجعيات وهو كشف حصل بصرف النظر عن بقية الاعتبارات.