عبدالله بن بجاد العتيبي

 الإرهاب ظاهرة مؤذيةٌ، وهو يتفشى ولا ينكمش ويتصاعد حضوره ولا يتراجع، لأن الكثير من معالجات الإرهاب حول العالم لم تزل فاقدةً للرؤية الصائبة التي لا تكتفي بلحظة الفعل الإرهابي، بل تلك التي تنفذ إلى جذوره وأصوله، الفكرية والتنظيمية على حدٍ سواء.
جذور الإرهاب الفكرية تكمن في خطاب التطرف الديني، خطاب الكراهية وخطاب التحريض، وخطاب التبرير الذي يقدم بعد كل عملٍ إرهابي، وإن حاول الاختباء تحت عباءة التفسير، فمن هناك يجب الضرب بيدٍ من حديدٍ على كل منابع التطرف الديني، فيجب أن يقوم الجميع بدوره في حربٍ شاملةٍ للمفاهيم الداعمة للتطرف والأفكار المرسخة له والرموز التي تعبر عنه.
وجذور الإرهاب التنظيمية التي تتجلى على شكل جماعاتٍ وتنظيماتٍ وشبكاتٍ لا تقل أهمية في ضرورة حربها عن الحرب ضد الجذور الفكرية، فهذه التنظيمات المحكمة هي التي تمكن التطرف وتزرعه وتنشره وتسوقه وتضمن له التجدد الدائم بإمكانياتها التنظيمية متعددة الأغراض.
لم يضرّ بالإسلام كدينٍ سماوي أحد كما أضرت به خطابات وجماعات التطرف التي تنتمي له، والتي تدعي الحديث باسمه، ومع التأكيد أن الإرهاب لا دين له، ولكنه في هذه اللحظة من تاريخ البشرية يكاد يكون محصورًا في دين الإسلام بسبب تفشي جماعاته وتنظيماته وتوحشها المتصاعد.
جاء في الرسالة الملكية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لولي عهده الأمير محمد بن نايف قوله: «ولقد سرَّنا كثيرًا ما سطره أبناؤنا رجال الأمن الأوفياء من بطولات وتضحيات فداء لدينهم ووطنهم وأمتهم ومقدساتهم»، وهو تثمينٌ ملكي لمسيرةٍ ناجحةٍ طويلةٍ من حرب السعودية ضد الإرهاب داخليًا وخارجيًا، وثناءٌ على صاحب النموذج المبهر لمحاربة الإرهاب الأمير محمد بن نايف، وعلى رجال الأمن الأبطال الذين شاركوا في نجاح هذا النموذج من أكبر مسؤول إلى أصغر جندي.
وهم يواجهون «فئة ضالة آثمة باغية خالفت أمر ربها وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)، واتبعت سبل الشيطان فأغواهم وزين لهم سوء أعمالهم فاستحلوا الدماء التي حرمها الله، ولم تسلم منهم بيوت الله، وطال أذاهم وإجرامهم القريب والبعيد، ولم يسلم منهم والد ولا أخ ولا صديق ولا قريب، فكشف الله خزيهم، وأحبط أعمالهم، بفضله سبحانه ثم بجهود رجال الأمن الأبطال» كما جاء في الرسالة الملكية.
مواجهة الإرهاب بقوة الأمن ناجعةٌ، ومواجهته قبل ذلك بالتشريعات والقوانين والأنظمة أشمل وأبقى، ومن هناك جاء تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعةٍ إرهابية في كلٍ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، وها هو الجدل يدور اليوم داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول ضرورة تصنيف الجماعة إرهابيةً.
نشرت هذه الصحيفة في عددها الجمعة الماضي أن «فصيلاً يقوده مايكل فلين مستشار الأمن القومي لترمب يرغب في إدراج الجماعة ضمن قائمتي وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين للمنظمات الإرهابية الأجنبية»، وهو توجه في حال إقراره سيكون له بالغ الأثر في ضرب الجذور التنظيمية للتطرف والإرهاب المعاصر.
حظيت جماعة الإخوان المسلمين بدعمٍ كبيرٍ طوال ثماني سنواتٍ من حكم باراك أوباما، وكانت الجماعة مدللةً لدى إدارته، وقدمت كل فروض الطاعة له إبان فترة ما كان يعرف بالربيع العربي، وخلافًا لرغبته وقفت السعودية والإمارات موقفًا تاريخيًا بدعم الشعب والجيش المصري على التخلص من حكم الجماعة، وها هي أميركا تعود لنفسها ومصالحها الاستراتيجية من جديد، بعيدًا عن تيه الرؤية الخاطئة تلك.
أي مواجهةٍ جادةٍ للقضاء على الإرهاب يجب أن يسبقها ويتزامن معها بناء رؤيةٍ متماسكةٍ واستراتيجية متكاملةٍ لمواجهة التطرف، وما لم تكن هذه الاستراتيجية وتلك الرؤية كاملةً وصارمةً، فإن الإرهاب سيستمر وجماعاته ستنتشر وتنظيماته ستتفشى، وأنصاف الحلول، وإن أجدت في المدى القصير، فإنها تزيد المشكلة خطورةً وتجذرًا على المدى الطويل، فقد حانت ساعة المواجهة منذ أمدٍ، ويتبقى خلق تكاملٍ دولي فاعلٍ لتجفيف منابع الإرهاب وقطع تمويله وضربه من جذوره.
إن لحاق أميركا بالسعودية والإمارات ومصر في تصنيف الإخوان كجماعةٍ إرهابيةٍ سيدفع الكثير من دول العالم لسلوك ذات السبيل وسيكون على بعض الدول التي شكلت المعاقل الجديدة للجماعة أن تعيد حساباتها من جديد، وخصوصًا أن بعض هذه الدول غيرت سياساتها تجاه بعض الملفات الكبرى في المنطقة، وينبغي أن تكون قادرةً على فعل الأمر عينه تجاه الموقف من الجماعة الإرهابية.
هل جماعة الإخوان المسلمين هي المصدر الوحيد لخطاب التطرف؟ وهل هي المسؤولة وحدها عنه وعن جماعات الإرهاب المتفرعة عنه؟ الجواب بالتأكيد لا، فتشاركها في ذلك بعض الخطابات السلفية وتحديدًا تلك المعروفة باسم «السلفية الجهادية» وكذلك بعض الخطابات التراثية المتطرفة، والتي يتم استجلابها لتشكيل خطاب كراهيةٍ يكون مصدرًا للإرهاب المعاصر.
جماعات الإسلام السياسي الشبيهة بجماعة الإخوان المسلمين كلها جماعات إرهابية، كجماعة السرورية أو القطبية أو حزبٍ كحزب التحرير، وجماعات الإرهاب كلها على علاقةٍ كاملةٍ بجماعات الإسلام السياسي، وتنظيم القاعدة وتنظيم داعش هما أبناء لصيقون بهذه الجماعات، ويكفي أن تعرف أن عبد الله عزام كان إخوانيًا عتيدًا وأن أسامة بن لادن كان إخوانيًا منظمًا، وغيرهما العشرات، وخطاب «جبهة النصرة» سابقًا وفتح الشام حاليًا ينتمي للمنظومة نفسها.
دون إعادة لبناء خطابات دينية متسامحة مع كل ما يتطلبه ذلك من جهودٍ واسعةٍ ومضنية ومن وقتٍ ليس بالقصير فلن يحدث فارق مهم في حرب خطابات التطرف، وما لم تكن مفاهيم «التسامح» و«التعايش» أهم وأكثر حضورًا وأوسع انتشارًا من مفاهيم «الحاكمية» و«الجاهلية» و«التكفير» و«الكراهية» فستظل ماكينة التطرف تنتج الإرهاب جماعاتٍ وعناصر، زرافاتٍ ووحدانًا.
أخيرًا، فقد ظلت كثير من الدول الأوروبية ملجًأ لجماعة الإخوان المسلمين ولجماعات الإرهاب الأخرى لعقودٍ، وسيكون عليها أن تعيد قراءة سياساتها تلك في ظل الواقع الجديد الذي تعيشه، وفرض الإرهاب نفسه كعنصرٍ ثابتٍ في المعادلات الجديدة على أرض الواقع في تلك الدول، وسيكون للتحول الكبير في الموقف الأميركي في حال إقراره دورٌ في مساعدة تلك الدول على تبصر موقع أقدامها في معركةٍ طويلةٍ مع التطرف والإرهاب.