إبراهيم حميدي 

مفاوضات جنيف بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة التي كانت مقررة في 8 شباط (فبراير)، تنتظر وضوح الرؤية إزاء خمس تحديات بينها موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب من العملية السياسية في سورية و «المعارضة المعتدلة»، إضافة إلى حل «عقدة» تمثيل المعارضة إلى المفاوضات التي تأمل الأمم المتحدة في أن تكون مباشرة بين الحكومة والمعارضة.

وإذ تأمل الأمم المتحدة في عقد المفاوضات في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري، تجري اتصالات مكثفة في انتظار حسم خمسة أمور:

أولاً، الاجتماع الفني الروسي - التركي - الإيراني في آستانة في الأيام المقبلة لمتابعة تنفيذ الاتفاق بين الدول الثلاث الأسبوع الماضي على تثبت وقف النار في سورية وتشكيل آلية ثلاثية للرقابة على وقف النار والرد على الخروق من الأطراف مع استثناء تنظيمي «داعش» و «فتح الشام» (النصرة سابقاً). وكانت فصائل المعارضة المسلحة أعلنت تحفظات على الاتفاق الثلاثي وطالبت بوقف النار في وادي بردى قرب دمشق ووقف «المصالحات المفروضة»، لكن أعلن أول من أمس عن «تسوية» في وادي بردى ووصول ورشات الصيانة إلى نبع الفيجة «خزان مياه» دمشق.

ثانياً، نتائج محادثات المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في نيويورك اليوم وغداً ولقائه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس وأعضاء مجلس الأمن الدولي لإيجازهم على نتائج مفاوضات آستانة وتصوره على مفاوضات جنيف المقبلة. ومن المهم فهم تصورات الأمين العام الجديد إزاء أول مفاوضات سورية في عهده وما إذا كان يريد افتتاح هذه المفاوضات في جنيف. وإذ حاولت موسكو إعطاء أولوية لصوغ دستور سوري عبر طرحها مسودة روسية، يريد المبعوث الدولي التزام مهماته في تنفيذ القرار 2254 الذي نص على ثلاثة بنود: الأول، تشكيل حكم تمثيلي غير طائفي من ممثلي الحكومة والمعارضة ومجموعات أخرى. الثاني، صوغ دستور جديد بموجب هيئة مشكلة من الحكومة والمعارضة ومستقلين للبحث ما بين خيار تعديل الدستور الحالي الصادر في 2012 وما يعني ذلك من نقل بعض صلاحيات رئيس الجمهورية إلى «الحكم» كي يشرف على «العملية السياسية» أو «الانتقال السياسي». الثالث، إجراء انتخابات وما إذا كان ذلك يعني انتخابات محلية وبرلمانية فقط أم تشمل انتخابات رئاسية والجدول الزمني لذلك وعلاقة ذلك بالدستور الجديد وما إذا كان يعتمد النظام البرلماني أو الرئاسي.

وتشكل هذه أجندة المفاوضات المقبلة باعتبار أن آستانة تتعاطي مع وقف النار واحتمالات إجراءات بناء الثقة والمساعدات الإنسانية عبر مجموعة العمل الدولية في جنيف. لكن روسيا تعطي أولوية للدستور، بحيث تسير العملية السياسية مع بقاء النظام الحالي ومؤسساته. لذلك قدمت روسيا إلى ممثلي الأطراف السورية مسودة دستور يعتمد النظام الرئاسي مع توسيع صلاحيات رئيس الوزراء والبرلمان والمجلس المحلية إلى حد تشكيل «جمعية مناطق» إلى جانب «مجلس الشعب»، الأمر الذي يعني أن الانتخابات الرئاسية ستجرى بموجب الاستفتاء المباشر وليس في البرلمان، في حال اعتمد «الدستور الروسي».

ثالثاً، نتائج محادثات دي ميستورا مع فريق إدارة الرئيس دونالد ترامب نهاية الأسبوع، خصوصاً فريق مجلس الأمن القومي الذي يضم «طاقماً عسكرياً» برئاسة مستشار الأمن القومي مايكل فلين ويضم مسؤول الشرق الأوسط ديريك هارفي ومسؤول سورية والعراق جو ربرن اللذين عملا مع مدير «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي أي) ديفيد بتروس في العراق، وهما اللذان يضعان أولوية محاربة «داعش» في سورية والعراق.

رابعاً، مؤتمر الأمن في ميونيخ 17 و18 شباط (فبراير) واحتمال حصول أول لقاء بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره المعين ريكس تيلرسون لترتيب تفاهمات سياسية بين الطرفين وضبط الرابط مساري آستانة وجنيف قبل انعقاد جولة جديدة من المفاوضات السياسية، إضافة إلى كيفية تطبيق احتمال التعاون بين الرئيس فلاديمير بوتين وترامب في محاربة «داعش» في سورية.

خامساً، وفد المعارضة السورية، إذ يعتقد مسؤولون غربيون أن هذا ربما من «العقد» التي تتطلب الكثير من الجهد، خصوصاً أن الرهان على مفاوضات مباشرة بين وفدي الحكومة والمعارضة تحت مظلة الأمم المتحدة. إذ إن موسكو تصر على «وفد واحد» يضم «الهيئة التفاوضية العليا» وباقي منصات المعارضة، فيما تتمسك «الهيئة» وتركيا وحلفاء آخرون للمعارضة بحصرية تمثيل «الهيئة» للمعارضة. يتطلب تحديد موعد جنيف، حل هذه «العقدة»، حيث تطرح خيارات عدة:

أولاً، طاولة مستديرة تضم وفد الحكومة وباقي فصائل المعارضة بما في ذلك «الهيئة» والفصائل المسلحة التي شاركت في آستانة وتضمن البيان الختامي الثلاثي الموافقة على مشاركتها في جنيف، إضافة إلى منصات المعارضة الأخرى وبعض الشخصيات التي حضرت لقاء لافروف في موسكو الجمعة المقبل.

الثاني، اقتصار مفاوضات جنيف على وفدي الحكومة والفصائل المقاتلة التي شاركت في آستانة وانعزلت عن «فتح الشام».

الثالث، إقناع «الهيئة» بتغيير مكوناتها وضم ممثلي القوى السياسية الأخرى وممثلي فصائل عسكرية إضافية (علماً أنها تضم ممثلي 15 فصيلاً)، مع بقاء دورها القيادي.

وفي حال تنفيذ إدارة ترامب قرار حظر «الإخوان المسلمين»، فإن بعض المكونات السياسية للمعارضة التي تضم ممثلين أو مقربين من «الإخوان» ستكون في وضع صعب ما يقوي رهانات موسكو للدفع نحو «وفد موحد» بحسب تصورها. وفي حال حلت هذه مشكلة، تبقى مشكلة مشاركة «الاتحاد الديموقراطي الكردي» برئاسة صالح مسلم، الذي ترفض أنقرة مشاركته في جنيف ورفضت حضور ممثلي آستانة، لكن موسكو فتحت الباب أمام احتمال حصول ذلك لدى دعوة ممثل الحزب في باريس خالد عيسى إلى لقاء لافروف والمعارضة الجمعة الماضي، بل أن عيسى سلم الجانب الروسي مسودة «دستور كردي» اقترح «فيديرالية» في سورية بدلاً من «اللامركزية الموسعة» والمناطقية التي اقترحت في دستور روسيا.