زهير فهد الحارثي

صموئيل هنتنغتون صاحب نظرية صدام الحضارات يقول إن "العوامل الثقافية أصبحت العدسات التي ينظر من خلالها الكثير من الناس للقضايا الدولية اليوم". هنتنغتون كان أحد ضيوف الجنادرية وواحدا من مئات احتفت بهم الجنادرية خلال ثلاثة عقود حينما شرعت الأبواب للجميع بما في ذلك من لهم مواقف من المملكة وأعطت المساحة للجميع.

الجنادرية التي تحتفل غدا بمهرجانها الحادي والثلاثين بحضور خادم الحرمين الشريفين، ما زالت تضيء إشعاعها المعرفي والتراثي والثقافي نحو آفاق النهضة والتنوير متجاوزة كل العوائق التي سعت لتقويضها حيث لم يعد حضورها طارئا بل منجزا حضاريا تغلغل في حياتنا منذ أكثر من ثلاثة عقود..

الجنادرية التي تحتفل غدا بمهرجانها الحادي والثلاثين بحضور خادم الحرمين الشريفين، ما زالت تضيء إشعاعها المعرفي والتراثي والثقافي نحو آفاق النهضة والتنوير متجاوزة كل العوائق التي سعت لتقويضها حيث لم يعد حضورها طارئا بل منجزا حضاريا تغلغل في حياتنا منذ أكثر من ثلاثة عقود.

يأتي ذلك في ظل توجه الدولة وعزمها على الشروع في الدخول الى مرحلة تنموية كبيرة لمرحلة ما بعد النفط عناصرها الإنسان والأمن والرفاهية. لحظات استثنائية تعيشها بلادنا رغم الأزمات المرتبطة بالتحولات العالمية. أُعلنت رؤية السعودية 2030 ضمن منظومة تحول أي إنتاج وعي ثقافي وتنموي مجتمعي. رؤية تتأقلم مع الجديد وتتجاوز الهواجس وتنقل البلاد إلى موقع يليق بمكانتها.

وفي هذا السياق عندما تقوم مؤسسة عسكرية كالحرس الوطني بواجبها العسكري لا تنفك تكون حاضرة بدورها التوعوي والتثقيفي والتنويري. المشروع تحول من كونه مهرجانا متواضعا شعبيا الى محفل ثقافي ومنبر فكري تجاوز بهما المحلية. الجنادرية تخاطب العقل والوجدان وتثري الساحات مشرعة أبوابها لكل الأطياف والألوان. كانت وما زالت رسالتها الحضارية تكمن في إغناء التجارب الثقافية والانفتاح على الحضارات وهو مسار يقودها للعالمية وبامتياز.

صحيح أن الجنادرية عبارة عن تراكم فعاليات وأنشطة إلا أنها قد وصلت الآن لمرحلة النضج والسؤال المطروح هنا هل استفدنا منها كما ينبغي؟ لا أعتقد ذلك. صحيح الجنادرية مناسبة وطنية تربط تكوين إنسانها الثقافي بالميراث الإنساني أجمع. ولكن أظن أنه قد آن الأوان لتجديد ثوبها الثقافي والفكري بتطويرها كمعلم حضاري عالمي ومعرفي عبر إنشاء منتدى سنوي يُطرح فيه قضايا كبرى يناقشها علماء ومفكرون ومختصون.

يظهر منتدى الجنادرية، كما نتمنى، في محاولـة ضـروريـة لمقاربة قـراءة عقلانية للـواقـع الجـديـد للمنطقـة، ولتلمس ملامـح المسـتقبل آخذا علـى عاتـقه الحياديـة بعيـداً عـن أي تحيّـز مستهدفا الإنسـان مـن أجـل بنـاء مسـتقبل أفضل للمجتمعـات عبـر نشـر الفكـر والمعـرفـة.

بإمكان الجنادرية أن تقوم بهذا الدور لأنها لديها مقومات تنطلق من رصيد تاريخي غني بالتراث والثقافة الأصيلة ومن سمات مجتمع له رسالة روحانية ومن تجربة ثرية لدولة تدعو للتعايش وحوار الحضارات والثقافات والأديان ناهيك عن ثقلها الدولي وعمقها الإسلامي والعروبي.

في العالم تجد جهودا لمؤسسات فكرية وثقافية وحقوقية، هدفها بلورة أفكار ورؤى للقضايا المختلف عليها لينتج عنها تواصل إنسانيا حضاري وليس خلق صراعات وهذا ما دأبت عليه الجنادرية.

الاقتراح ممكن التطبيق كون ما يميز الجنادرية هو في قدرتها على التجديد والتنوع والمواكبة لاسيما في ظل إشراف الأمير متعب وتفاعل نائبه الشيخ عبد المحسن، فالمرحلة الراهنة تستدعي تعاطيا مختلفا يساهم في تغيير الصورة النمطية عن بلادنا. موقعية الجنادرية كمكان ومسمى له رمزية حول تجربة وطن وثقافة شعب. هذا يعطي جاذبية للمقترح. منتدى فكري عالمي سنوي يُعقد في أرض الجنادرية من خلال ندوات وورش عمل ومحاضرات وجلسات نقاش على غرار منتدى دافوس ويُركز على القضايا الفكرية والسياسية والاقتصادية العالمية.

هذا المنتدى الإنساني ينطلق من محاور رئيسية للحوار من حقوق الإنسان وتعايش الثقافات وحوار أتباع الأديان مرورا بالعلاقات الدولية ودور المنظمات الدولية وتوازن القوى والقطبية وانتهاء بالمساعدات الإغاثية والإنسانية في الحروب والكوارث. هي مهمة ليست يسيرة للجنادرية ولكنها ليست مستحيلة طالما توفرت الإرادة والإمكانية والتخطيط والتنفيذ.

صفوة القول: الجنادرية، وفي ضوء هذا المناخ الإقليمي والدولي وبعد تجربتها المديدة، قادرة أن تتحول لموقع حضاري تنويري يدفع باتجاه تلاقح الثقافات من خلال منتدى عالمي سنوي يتناول القضايا الكبرى والمُلحة وما يجمع البشرية ويكرس تعايشها وتسامحها.