أحمد يوسف أحمد

نصت المادة الثالثة من الدستور العراقي الحالي على أن «العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها»، وهذه حقيقة ولكن غياب النص على الهوية العربية كان لافتاً وبالطبع مقصوداً، وعضوية جامعة الدول العربية ليست بديلاً لتأكيد الهوية العربية التي تمثلها أغلبية واضحة للشعب العراقي. والآن فإن مشروع الدستور الروسي لسوريا يكرر النموذج العراقي بشكل شبه حرفي، فقد حُذفت صفة «العربية» من اسم الدولة بحيث يصبح «الجمهورية السورية» بدلاً من «الجمهورية العربية السورية»، مع الإشارة إلى الإيمان بميثاق جامعة الدول العربية.

وليست الصفة العربية في اسم الدولة مسألة شكلية خصوصاً في ظل الظروف الراهنة التي يتغول فيها التدخل الخارجي في شؤوننا عالمياً وإقليمياً، وتوجد ثلاث دول عربية غير سوريا تشير إلى الانتماء العربي في اسمها هي مصر والسعودية والإمارات، وكانت السابقة الوحيدة التي حُذفت فيها الصفة العربية من اسم الدولة هي حذفها من اسم الشطر الشمالي لليمن بمناسبة انخراطه في الوحدة مع الشطر الجنوبي ليصبح اسم دولة الوحدة هو «الجمهورية اليمنية»، ولم تكن لهذا أي دلالة سلبية بالنسبة للهوية، وإنما جاء من قبيل الملاءمة لأن اسم دولة الشطر الجنوبي كان يشير إلى صفتي الديموقراطية والشعبية، وكان لا بد من اسم لا يوحي باستيعاب شطر للآخر.

وليست مصادفة بالتأكيد أن إعداد الدستورين تم من قِبَل قوتين عالميتين أولاهما هي الولايات المتحدة الأميركية في الحالة العراقية والثانية هي روسيا في الحالة السورية. وفي الحالتين أيضاً أنكر الطرف العربي المعني هذه الحقيقة وإن بشكل مختلف، ففي الحالة العراقية أنكر المسؤولون العراقيون أن يكون الدستور صناعة أميركية، وفي الحالة السورية أنكر النظام السوري في البداية أن هناك مشروع دستور روسياً أصلاً مع أن المسألة مطروحة منذ مايو الماضي، ثم حدث الاعتراف الفعلي بالملاحظات التي أبداها على المشروع، والتي تسربت إلى أجهزة الإعلام.

تزعج الهوية العربية القوى العالمية والإقليمية كثيراً لأنها الأساس الذي بُني عليه قيام الأمة العربية بدور مؤثر إقليمياً وعالمياً عبر التاريخ، وثمة رواية تاريخية شائعة مؤداها أن تعاطف القوى الغربية الكبرى وعلى رأسها بريطانيا مع لمشروع الصهيوني إنما يرجع إلى أنه يقسم الرقعة العربية المتصلة جغرافياً من المشرق إلى المغرب ويقيم حاجزاً برياً بينهما، كما أن المخططات الغربية كافة لمستقبل المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية رُسمت على أسس شرق أوسطية بدءاً بمشروع قيادة الشرق الأوسط ومروراً بحلف بغداد ومشروع أيزنهاور وصولاً إلى شرق أوسطية ما بعد مؤتمر مدريد 1991 لتسوية الصراع العربي-الإسرائيلي، وليست مصادفة أن هذه المخططات كافة قد أخفقت على رغم أن النظام العربي لم يكن دائماً قوياً، بل كان يعاني أحياناً من ضعف ظاهر، ومع ذلك فإن التناقضات التي ينطوي عليها المشروع الشرق أوسطي بحكم جمعه بين مصالح متعارضة، بل متصادمة قد تكفلت دائماً بإفشال تلك المخططات. والآن تتجدد المحاولة بطرح أفكار إقامة روابط إقليمية جديدة تجمع كل الطامعين في مقدرات الأمة العربية، وليست محاولات النيل من الهوية العربية، كما رأينا في حالتي العراق وسوريا سوى جزء من هذا المخطط، وللأسف فإن هذه المحاولات تجد أنصاراً لها بين بعض من يُفترض أنهم يشرفون بانتسابهم لهذه الأمة فيقللون من شأنها ويسخرون من حالها!

وليس السكوت على هذه المحاولات ممكناً، ذلك أن من شأن نجاحها أن يُضيّع مصالحنا لحساب مصالح القوى الإقليمية والعالمية المتربصة بنا، غير أن التصدي لتلك المحاولات لن يكون ممكناً دون إدراك كافٍ للمخاطر التي تنطوي عليها، والتي تهدد مصالح الأمة العربية، بل وجودها المستقل ودون قدرة عربية جماعية على الفعل، وهي مهمة بالغة المشقة دون شك في ظل الأوضاع التي يمر بها عدد من الدول العربية وتوتر العلاقات بين عدد آخر منها، ولعل القمة العربية القادمة في عمان تكون مناسبة لقيام طليعة من الدول العربية المدركة لطبيعة المخاطر والتهديدات بالمبادرة الواجبة من أجل تعزيز القدرة العربية على مواجهتها.