د. عبدالخالق عبدالله: منذ اندلاع أزمة قطر في الخامس من يونيو/حزيران الماضي، عندما قررت أربع دول عربية هي السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة وفرض عقوبات اقتصادية عليها بتهمة دعمها وتمويلها للإرهاب ونشرها خطاب التطرف والتحريض، والكل يطرح السؤال المشروع والقلق: هل انتهى مجلس التعاون الخليجي؟

الإجابة السريعة على هذا التساؤل الذي يزداد الحاحا مع استمرار أزمة قطر هي بكل تأكيد: كلا. فلا ينبغي على أحد أن يندفع ويستنتج أن أزمة قطر التي ستدخل قريبا شهرها الرابع تعني نهاية مسيرة تعاونية واندماجية خليجية ممتدة منذ نحو أربعة عقود.

لا شك أن مجلس التعاون الخليجي ليس في أفضل حالاته، وسيدخل عام 2017 التاريخ كأحد أسوأ الأعوام بالنسبة للمنظومة الخليجية التي تمر بمنعطف في غاية الصعوبة، بل هو الأخطر منذ تأسيس المجلس في مايو/أيار 1981. ما يمر به المشهد السياسي الخليجي من توتر وانقسام يدعو للأسف والإحباط، ولا يمكن إنكار أنه من صنع دوله، خاصة قطر التي كانت دائما تغرد خارج السرب الخليجي، واصبحت الآن متهمة بتمويل وإيواء الإرهاب.

إن حالة الانقسام التي وقعت في الخامس من يونيو/حزيران أثّرت سلبا على صورة المجلس، كما عطلت نشاطاته وجمدت اجتماعاته وزعزعت تماسك دوله. بل امتدت لتلامس النسيج الاجتماعي الخليجي الذي كان دائما بمنأى من الخلاف السياسي الخليجي. الآن أصبحت المنظومة الخليجية - التي كانت نموذجا للاستقرار - متخمة بالتوترات التي لا تلوح في الأفق أي نهاية لها.

فالمنظومة الخليجية السداسية بلغت حافة هاوية غير مسبوقة، تنذر إما بفقدان أو تجميد عضوية قطر التي هي من الستة الدول الأعضاء المؤسسين للمجلس. وعلى الرغم من تأكيد قطر الرسمي أنها لا تنوي الانسحاب من مجلس التعاون، أصبح احتمال عزلها واردا، ويتم التفكير في صيغة قانونية لتجميد عضويتها بجدية تامة في عدة عواصم خليجية.

لكن هذه المستجدات السلبية في المشهد السياسي الخليجي ليست في حد ذاتها كافية لطرح السؤال التالي: هل انتهى مجلس التعاون الخليجي؟ ذلك أنه حتى في أسوأ السيناريوهات، إذا انتهى حال مجلس التعاون الخليجي المكون من ست دول حاليا إلى أن يصبح مجلسا مكونًا من خمسة أعضاء، أي أن يكون مجلس التعاون الخليجي بدون قطر مؤقتا، سيظل مجلس التعاون قائما كمنظومة سياسية وأمنية فاعلة ومستمرة.

لا شك أن مجلس تعاون خليجي مكون من خمسة أعضاء سوف يكون انتكاسة للوراء بالنسبة لمشروع الاندماج الخليجي الذي اعتبر حتى وقت قريب النموذج الاندماجي الإقليمي الوحيد الناجح في المنطقة العربية. ومع ذلك، إن كانت النتيجة النهائية لتجميد عضوية قطر هي مجلس تعاون خليجي خماسي، فإن هذا لا يعني نهاية العالم، والمؤكد أنه لا يعني نهاية منظومة خليجية عمرها 37 سنة.

إن أسوأ سيناريو محتمل هو مجلس تعاون خليجي بدون قطر، وليس بالضرورة تفكك مجلس التعاون. ومن المحتمل أن يثير مجلس تعاون بدون قطر مشاعر سلبية واستياء في كل من عُمان والكويت. لقد تحملت الكويت مسؤولية القيام بدور الوسيط، لكنها لن تنسحب أبدًا من مجلس التعاون. فأمير الكويت هو أحد الآباء المؤسسين للتعاون الخليجي، وسيظل متمسكا ووفيًا بما لا يمكن تخيله لمشروع الاتحاد الخليجي ولن يرضى بابتعاد الكويت عنه تحت أي ظرف ولأي سبب.

أما سلطنة عمان، وعلى كل ما تحمله من انتقادات مشروعة على أداء مجلس التعاون، إلا أن مصالحها الوطنية تدفعها للبقاء ضمن المجلس في كل الأوقات خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والمالية الراهنة. من المستحيل أن تضحي عمان بعضويتها في مجلس التعاون الخليجي من أجل قطر المعروفة بالمشاكسة والشقاوة والمعاكسة.

لذلك فإن احتمال تفكك مجلس التعاون الخليجي مستبعد تمامًا، لكن من المحتمل جدا أن تؤدي الخلافات الخليجية المستعصية إلى مجلس تعاون خليجي بخمس دول، الذي سيكون مقبولا وبديلا وربما بنفس جودة مجلس التعاون الخليجي الذي كان مكونا من ست دول. وبقدر أنه لا يمكن استبعاد سيناريو مجلس تعاون خماسي، فان مستقبل مجلس التعاون سيعتمد على قوة ومتانة محور السعودية الإمارات، فهاتان الدولتان تمثلان العمود الفقري للتعاون الخليجي، وتمتلكان وسائل وموارد القوة الناعمة والصلبة لإبقاء المنظومة الخليجية وتحديد مساراته المستقبلية.

في النهاية سيستمر مجلس التعاون، وسوف تنتهي أزمة قطر عاجلاً أم آجلاً، فعودة قطر إلى السرب الخليجي كانت على بعد اتصال هاتفي واحد فقط. إن المكالمة الهاتفية الأخيرة بين أمير قطر وولي عهد السعودية تعتبر دليلًا كافيًا أنه مهما ابتعدت الدول الست الأعضاء عن مجلس التعاون الخليجي، يمكن حل أسوأ وأخطر الأزمات خلال اجتماع ودي مدته ساعة واحدة بين اثنين أو أكثر من قادة الخليج، حيث تُسترجع الأخوّة بين دول الخليج من جديد وكأن شيئا لم يكن.

لذلك من السابق لأوانه القول إن مجلس التعاون الخليجي انتهى، وحتى طرح مثل هذا السؤال. فالمجلس لم ينته مهما أراد المشككون له ذلك. أصوات التشكيك التي تتساءل الآن هل انتهى مجلس التعاون الخليجي، هي نفس الأصوات التي أثارت هذا التساؤل مرارًا وتكرارًا على مدار العقود الأربع الماضية. ينبغي أن يعلم هؤلاء جيدًا أن جميع المشاريع الاندماجية الإقليمية في العالم وعبر التاريخ تمر بفترات من الصعود والهبوط، ومجلس التعاون الخليجي ليس استثناء لهذه القاعدة.

من الواضح أن أزمة قطر تشكل نصف خطوة للوراء، لكن لا زال المجتمع الدولي ينظر بتقدير إلى مجلس التعاون الخليجي، وتبدو العواصم العالمية وكأنها أكثر حرصا على بقائه واستمراره واستقراره من بعض العواصم الخليجية. لن تسمح القوى الدولية ذات المصالح الضخمة في المنطقة، بانهيار المنظومة الخليجية ممثلة في مجلس التعاون الذي يملك موارد مالية ضخمة وقدرات دبلوماسية وسياسية أضخم، ولا تزال الرياض وأبوظبي والعواصم الخليجية الأخرى مراكز قوة حقيقية في محيطها العربي. على هذه الدول عدم الاكتراث للأصوات المتشككة التي تطرح عن جهل السؤال: هل انتهى مجلس التعاون؟ الذي لا شك أنه يمر بأزمة حادة وأوقات صعبة، لكنه يظل ركيزة من ركائز الاستقرار في منطقة تعاني من عدم استقرار مزمن.

إذا عدنا إلى تاريخ مجلس التعاون، التوتر الراهن في المشهد السياسي الخليجي، والذي يمكن أن يستمر حتى موعد انعقاد القمة الخليجية السنوية في ديسمبر/كانون الأول 2017، سوف يتم علاجه واحتواؤه، وسيثبت مجلس التعاون أنه جاء ليبقى ويتحول من مرحلة التعاون الخليجي إلى مرحلة الاتحاد الخليجي.