علي بن حمد الخشيبان

القضية التي سوف أتحدث عنها هنا تتعلق بظواهر متغيرة يحكمها الزمان والمكان والقابلية لتفسيرات متعددة وتأويلات مختلفة، ولكي تكون الصورة واضحة في الإجابة عن سؤال حول ما يجري في السعودية لا بد من الاتفاق على معايير التغير والتحول التي هي سنة الكون وتصيب جميع المجتمعات بلا توقف، المجتمعات بطبيعتها تمارس شكلا من النزعة الطبيعية والتلقائية نحو التغيير.

ما يحدث في السعودية ليس أكثر من استجابة طبيعية لدولة حيوية قادرة على الاستجابة كونها تمتلك كل المؤشرات التي تدل على أنها بلد حيوي نشيط يقوده الملك سلمان وخلفه ولي العهد الأمير محمد الشاب الحيوي الذي يمارس دوره على أكمل وجه.

وعند الحديث عن العالم العربي والذي تعتبر السعودية جزءا منه فإنه لا بد من الإشارة الى أن جميع الأنظمة العربية والإسلامية واجهت في القرن التاسع عشر تحديدا رهان التحديث في جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية، واستمرت هذه التحديات مع تحولات القرن العشرين وظهور الدول القطرية بعد الحرب العالمية الأولى ومعاهدة (سايكس بيكو) في العقد الثاني من القرن العشرين، وتضاعفت هذا الصعوبات مرة أخرى مع نشوب الحرب العالمية الثانية التي ضاعفت أزمة التحديث والتحول في البلدان العربية الناشئة.

في خضم هذه التحولات ومع بداية القرن العشرين انبثقت السعودية في دولتها الثالثة على يد الملك عبدالعزيز –رحمه الله-، انطلقت بعدها السعودية بقوة أكبر عندما تم اكتشاف البترول حيث بدأت مرحلة التنمية والتغيير وقد كانت التحديات مضاعفة نتيجة متغيرات كثيرة ولكن الأهم في كل هذه المتغيرات ارتكز على مكانة السعودية كراعية لأهم المقدسات الإسلامية فهذا المتغير ظل الأهم في السياسة السعودية وبلا منازع من سمات السعودية الكثيرة.

مكانة السعودية وقدسيتها الدينية جعلت النظام السياسي يبتكر مساره الخاص في التعاطي مع معطيات التغيير، ولم تتجه السعودية إلى ما فعلته الكثير من الأنظمة العربية التي حاولت استيراد أنظمتها السياسية من الغرب، وكانت السعودية على حق فهذا الاستيراد فشل بشكل كبير، وأعتقد أن أهم نتيجة خاطئة لذلك الاستيراد في العالم العربي ارتبطت في ظهور تيارات الإسلام السياسي غير الناضجة بصورة أحزاب سياسية ونقابات ولكن كانت تلك الأحزاب والنقابات تفتقد إلى كل أنماطها الشرعية كما كانت في الغرب.

بقيت السعودية راسخة في تعاطيها وأثبتت أنها تمارس شكلا مختلفا من السياسة هذا الشكل جعلها عرضة للكثير من الهجوم على المستوى الدولي، ولكن مع ذلك ظل العالم يراهن على السعودية في مظاهر الاستقرار والأمن والتنمية، بل عجز الكثير من المفكرين والسياسيين عن تفسير آلية العلاقة بين مؤسسة الحكم في السعودية وبين المجتمع، فقد مرت السعودية بالكثير من المواقف التي يثبت فيها المجتمع تناغما سلسا مع السلطة وبشكل تلقائي، هذا الاستقرار أوقع الكثير من المفكرين والمحللين أن يرفعوا سؤالهم اليوم: ما الذي يجري في السعودية..؟

هناك من ذهب في تحليلاته إلى الاعتقاد بأن المجتمع يمر بمخاض عسير للعبور نحو مرحلة جديدة، وخاصة مع القراءات التحليلية التي تزامنت مع صدور القرارات التي تسمح للمرأة بقيادة السيارة، من وجهة نظري أن هناك غيابا كبيرا لفهم المقارنة السياسية تاريخيا، السعودية الثالثة بقيادة الملك عبدالعزيز –رحمه الله-، وقعت تحت ذات الظروف عندما تشكلت الممكلة العربية السعودية وأصبحت جزءا في المنظومة الدولية وخاضعة لمتطلبات التغيير والتكيف مع العالم المحيط ونجحت في ذلك.

السعودية اليوم لا تعاني من أي ارتباك أو مخاض عسير في تحولاتها إنما هي تستجيب وفقا لمتطلبات التاريخ مع التحولات المطلوبة وخاصة متغيرات القرن العشرين، فعلى المستوى الدولي فإن كل المفاهيم السياسية والفكرية والتقنية أصابها التغيير في العالم نتيجة تحولات دولية ضخمة، وهذا ما يفسر ما يجري في السعودية اليوم التي تتأثر بمعايير وطموحات فئات الشباب الذين يمثلون الجزء الأكبر في التركيبة السكانية والتركيبة الفكرية، هنا يجب أن ندرك أن ما يحدث في السعودية ليس أكثر من استجابة طبيعية لدولة حيوية قادرة على الاستجابة كونها تمتلك كل المؤشرات التي تدل على أنها بلد حيوي نشيط يقوده الملك سلمان وخلفه ولي العهد الأمير محمد الشاب الحيوي الذي يمارس دوره على أكمل وجه.