سمير عطا الله

 ارتفع عدد سكان مصر عن مائة مليون نسمة، وهذا خبر مفرح من حيث الشكل. لكن الخبر الأكثر سعادة، كان العام الماضي، عندما بلغ معدل دخل الفرد 2. 724 دولار في العام، الأعلى منذ 1960. أما مجموع الدخل (الناتج) القومي فهو 336. 6 مليار دولار.

جميع المقارنات ظالمة، أو غير محقة. لكن حتى في اللغة، لا بد من قواعد للقياس. فلنحاول شيئاً من المقارنة لعلنا نصل إلى جواب أو شيء من جواب للسؤال الأبدي: هل عدد البشر أهم أم سعادتهم؟ علمهم أم عملهم؟ إن الناتج القومي لثمانية ملايين سويسري هو 659 مليار دولار، أما معدل دخل الفرد فهو 61 ألف دولار في السنة.
ماذا أريد أن أقول؟ أريد أن أقول، قبل أي شيء، إنني أتمنى بكل صدق ومحبة، أن تحتفل مصر بنسبة دخل المواطن (والوطن) وليس فقط بعدد المواليد. الخصب خصبان: خصب العقول وخصب البطون، والسعادة في التوازن بينهما. تكدس الفقر لا يصنع ثروة، ولا كفاية.
تزعمت مصر حركة عدم الانحياز وتحرير الشعوب، وكان ذلك في مرحلته عظيماً. لا بد لها الآن من الانضمام إلى حركة تقدم تلك الشعوب في إندونيسيا والصين والهند، حيث يبلغ الناتج القومي في الأخيرة 2264 تريليون دولار.
يعود تأسيس سويسرا إلى القرن الثالث عشر، وإسرائيل إلى 1948، بينما مصر أمّ التاريخ والعلوم ومعجزات البناء. التحدي الحقيقي ليس في المشاريع السهلة كالخصب والطمي، بل في تحويلها من فيضان إلى ثروة. لا أعرف كم زاد عدد سكان كينيا منذ الاستقلال، لكن المواطن الكيني باراك أوباما أصبح رئيساً في أميركا، بينما إخوته في نيروبي أشقياء. وقد مررت قبل أيام أمام أرزاق والد كارلوس سليم، أغنى رجل في العالم، فتساءلت: ماذا لو بقي هذا الإنسان يعتني بكرومه الجميلة هنا، بدل الهجرة إلى المكسيك؟
هل هو المكان أم الإنسان؟ كلاهما. هو التوازن بين الاثنين. وهذه ليست مسؤولية الدولة وحدها، فالمجتمع أيضاً يجب أن يكون صاحب رؤية لنفسه وحالته البشرية. ليس من الضروري أن يسافر أحمد زويل إلى أميركا ليصبح عالماً، ومجدي يعقوب إلى لندن ليصبح أهم طبيب قلب. كانت الناس تأتي إلى مصر لكي تكبر.
ليس من الضروري أن يسافر أحمد زويل إلى أميركا ليصبح أهم طبيب قلب. كانت الناس تأتي إلى مصر لكي تكبر.