ميرزا الخويلدي

سجل الناقد البحريني الدكتور فهد حسين، حضوراً متميزاً في المشهد الثقافي الخليجي، منذ عكف على دراسة المنجز الروائي وتأثيراته الاجتماعية. بدأ أولاً بدراسة حضور المكان في الرواية البحرينية، حيث وجد أن الروائي البحريني كان منشّغلاً أكثر بحمل الهمّ الاجتماعي وحالة الإنسان عن الثيمات الأخرى.

الناقد البحريني عكف كذلك على تتبع صورة المرأة في الرواية النسوية الخليجية الجديدة، وأصدر في هذا السياق عدداً من الأبحاث والدراسات، وكان لافتاً ملاحظته أن الرواية النسوية الخليجية كرست صورة الرجل أنموذجاً للتسلط والهيمنة، ولم تشر إلى البنية الثقافية التي أنتجت الذكوري.

الدكتور فهد حسين، عضو أسرة الأدباء والكتاب في البحرين، وعضو مجلس إداراتها لأكثر من دورة انتخابية، وحاليا هو الأمين العام لها. وحصل على الجائزة الثانية في مسابقة الكتاب المتميز في البحرين عام 2003.

«الشرق الأوسط» التقت الناقد البحريني، وأجرت معه الحوار التالي:

> رسالتك للماجستير كانت عن «المكان في الرواية البحرينية»، نعلم أن المكان عموماً هو بيئة النصّ وملهمه، فما الخصوصية التي يمنحها المكان للرواية البحرينية تحديداً؟

- المكان وخصوصيته في العمل السردي؛ هو المكون الذي كان يشتغل عليه الروائي سابقاً بوصفه مكوناً ضمن المكونات السردية الأخرى، إلا أن الكتابات الروائية والقصصية الحديثة أيضاً، لم تقف عند المكان أو أي مكون آخر إلا بوصفه تقنية سردية، أي ليس الاهتمام بتوظيف المكان فحسب، بل المهم في هذا التوظيف جماليته الذي تكشف عن زوايا قد التقطها الكاتب ليعطي القارئ فسحة من جمالية المكان من جهة ودعوته لتأويل بعض ملامح هذا المكان. لذلك؛ لا يخلو العمل السردي من المكان، لكن قد يخلو من جمالية المكان، وهذا الأهم في التوظيف التقني لأي مكون سردي.

وعن الراوية البحرينية، فلا يخفى على المتابع في المنطقة أن المكان لدينا على الرغم من صغره ومحدودية تنوعه كما هو في مناطق خليجية أخرى كالسعودية وسلطنة عمان، فإن الكاتب البحريني حاول أن يوظف تلك الأمكنة المحدودة لديه من مدن وقرى وسواحل بحرية، لكن كان توظيفها مرتبطاً بالعلاقة الاجتماعية التي كانت تربط الكاتب بالمكان نفسه. وهذا ما كان واضحاً في سياقات تلك الأمكنة التي جاءت في الروايات التي تناولتها دراستي في الماجستير. أما لو تعمقنا بعض الشيء حول تلك الخصوصية، فهي تكاد تكون عامة في المنطقة كلها، ربما يحدث تباين طفيف بين مكان وآخر، غير أن الدراسات المعنية بالمكونات السردية والتقنيات على مساحة الوطن العربي كانت منصبّة في تناول الشخصية أكثر بكثير من البقية، وإلى الآن الدراسات المعنية بالزمان والمكان قليلة جداً قياساً بالمنجز السردي في المنطقة، وهذا أحد أسباب توجهي لدراسة المكان.

> ما دور «الأسطورة» الراسخة في التراث المحلي، في النصّ الروائي البحريني؟

- علينا هنا أن نحدد مفهوم الأسطورة، حيث لا يدخل اللبس بين الأسطورة والحكاية والفنتازيا، فما يعني بالأسطورة؛ أتصور أن الأعمال البحرينية التي – على الأقل قرأتها – لا تتعاطى مع الأسطورة بسبب عدم وجود الأسطورة في حضارتنا عدا ملحمة جلجامش وكيف وصل إلى المنطقة باحثاً عن زهرة الخلود، وكذلك ما ورد من حكايات عبر الحضارة الديلمونية وتايلوس، لكن كل هذا لم يوظفه الكاتب البحريني في أعماله السردية، حيث كان الهم الاجتماعي وحالة الإنسان هي التي تشغل الروائي، سواء في محاولة كشف زيف المجتمع اجتماعياً أم اقتصاديا، وأثر ذلك على الشخصيات السردية في بعدها النفسي.

- صورة المرأة

> قدّمتَ دراسة عن «صورة المرأة في الرواية النسوية الخليجية الجديدة»، ما سمات تلك الصورة؟

- في دراستي لصورة المرأة في الرواية النسوية كانت منطلقة من البحث عن دور الروائية الخليجية تجاه نفسها وتجاه المرأة في المنطقة وكيف تستدعي قضاياها وتعالجها من زوايا عدة، في سياق علاقة المرأة بذاتها وذات الآخر، المرأة إن كانت أماً أم أختاً أم بنتاً، والآخر الرجل الأب والزوج والابن والأخ والصديق والحبيب، والآخر «تبئيرها» تجاه المكان والزمان، من خلال هذا تبين لي بعد دراسة أكثر من خمسة وثلاثين عملاً روائياً لروائيات خليجيات، أن هناك نزعة جارفة من قبل المرأة للكتابة الروائية، وإن كان ذلك على حساب القيمة الفنية والجمالية، كذلك الاهتمام بإظهار صور متعددة للمرأة توضح مدى التعامل المجتمعي معها وفق هذه الصور، وصف الرجل باعتباره مصدر السلطة والقوة والغطرسة، إلا أن اللغة التي كتبت بها هذه الأعمال لا تشير إلى لغة خاصة بالمرأة، بل هي لغة عادية يمكن أن يكتبها الرجل والمرأة معاً، ولكن ما لفت الانتباه أن كل الأعمال تؤكد على محاربة العنف والتطرف، وتدعو إلى القيم العليا من الاحترام والتسامح والتعايش الاجتماعي والتواصل الثقافي والتلاقي الحضاري، مع هيمنة المكان على جل هذه الأعمال، سواء أكان المكان في منطقتنا الخليجية أم خارجها (أمكنة عربية وأجنبية).

> أنت هنا تعيد ما وصلتَ إليه في دراستك أن صورة الرجل لدى الروائيات الخليجيات عبارة عن أنموذج للتسلط والهيمنة... أليست هذه سمة المجتمع الشرقي عموماً؟

- حينما نناقش وضع الرجل ونظرة المرأة إليه هنا مباشرة سيتجه الحوار إلى رؤية المرأة التي كانت ولا تزال تعاني، لكن لا بد من قراءة فاحصة إلى الرجل الذي هو أيضاً حكم عليه بالتسلط من قبل المجتمع وعاداته وأعرافه، وهذا ما عكسه في حياته اليومية على من حوله بما فيها المرأة، إضافة إلى الوعي الاجتماعي والثقافي الذي يتمثلهما الرجل، فإن كان واعياً ومثقفاً كما أوضحته الروائية الدكتورة بدرية البشر في روايتها «هند والعسكر» في صورة الأب من جهة، وما يحمله من ثقافة، مقابل (منصور) زوج (هند) الذي يمارس دوراً أكثر سلطوية وإجحافاً تجاه المرأة؛ لذلك تكمن الرؤية تجاه الرجل بحسب الزاوية التي تلتقطها الكاتبة لدراسة الشخصية الذكرية.

> أليس من الظلم اعتبارك (في الدراسة) أن المرأة الخليجية اتجهت لكتابة الرواية لتكون فاعلة بذاتها الأنثوية، ومن أجل تحسين صورة المرأة... أين الروح المبدعة؟

- فعلاً، نحن في منطقة الخليج العربي، ونتيجة للمعاناة التي تعانيها المرأة في مناح كثيرة، ومنها الكتابة والنشاط الثقافي، ما لدينا في المجتمع الخليجي من النساء اللواتي يبدعن من الكتابة إلى التمثيل إلى التشكيل إلى الصحافة، إلى الكثير من الجوانب الأخرى، لكن المجتمع يحاصرها حتى في تذييل أسمائهن تحت مقال كتبنه. ألم تصدر رواية «الآخرون» باسم مستعار؟ وكذلك رواية «القِران المقدس» لماذا؟ لأن المرأة محاربة اجتماعياً، بل كان الرجل قبلها لا يذيل اسمه خوفاً من الرقيب الثقافي أو الإعلامي أو الاجتماعي أو الديني، وهنا تكمن حالة المرأة؛ لذلك حين شرعت في الكتابة كانت تريد أن تقول أنا موجودة في المشهد الثقافي، وهذه القضايا التي تلامس حياتي وحياة أخواتي النساء، وهو ما يتضح من الروايات في كيفية بناء الشخصيات النسوية من جهة، ورغباتهن المختلفة في الخروج على النمط الاجتماعي من جهة أخرى من خلال العلاقات العاطفية أو الزواج أو الدراسة خارج المكان أو السفر، أو غير ذلك. وعلى الرغم من هذا الاتجاه فإن بعضهن أبدع في النص، كليلى العثمان، وفوزية السالم، وفوزية رشيد، ورجاء عالم، وليلى الجهني، وزينب حفني، وبدرية البشر وبدرية الشحي.

> ألا ترى أن مصطلح «الأدب النسوي»، يقسّم الإبداع على أساس جندري؟

- أتفق معك بأن الأدب هو أدب، سواء كتبته امرأة أم كتبه رجل، غير أن التقسيم هذا مثله مثل تقسيم دراسة بناء الأعمال الأدبية أو الثقافية، كأن تقوم بدراسة الشخصية أو المكان أو الزمن أو الصورة، على الرغم أنه لا يمكن الفصل بين كل هذه العناصر في العمل، ولكن عادة تفصل من أجل الدرس الأكاديمي أو البحث في موضوع ما أو تناول ثيمة معينة لا غير، وفي الوقت نفسه هناك كتابات ذات علاقة بالنسوية كتبتها المرأة وكتبها الرجل أيضاً، وهي تلك الكتابات التي تتناول ما يخص عالم المرأة العام والخاص. فمثلا رواية طالب الرفاعي «في الهنا» أنا شخصياً أعتبرها رواية نسوية لأن الشخصية الرئيسة امرأة وتتناول هذه الشخصية تجربتها وحياتها وعلاقتها الخاصة.

> أنتَ تلاحظ من خلال روايات المؤلفات الخليجيات، وجود نمطية للشخصيات النسوية تمثلت في صورة المرأة السلبية التي لا تملك سلطة القرار، هل ترى أن الرواية عليها أن تذوّق الواقع أو تطليه بمساحيق التجميل؟

- كما قلت آنفاً، ما حدث للمرأة من خضوع وتهميش كان بسبب سلطتين، هما: سلطة المجتمع وسلطة الرجل؛ لذلك لا يمكننا جميعاً الهرب من هذا الواقع الذي تعيشه المرأة الخليجية، كما لا تستطيع المرأة الكاتبة نفي هذا الواقع، بل كان عليها كشف زيفه وبيان تناقضاته المتمثلة في الشخصية الذكورية التي تنادي بالتحرر من جهة، وتعيش حياة بعيدة عن هذه المبادئ، ولكن ليس كل المجتمع في المنطقة وكل الرجال يهمشون المرأة، أو يمارسون سلطتهم عليها بما يشكل التهميش، لكن المشكلة لا تقع على الرجل وإنما على المرأة نفسها، فهي التي تهمش ذاتها، وهي الراغبة لتكون خاضعة وسلبية تجاه الرجل، والدليل ليس في الكتابات الروائية فحسب، بل في الأعمال الدرامية الخليجية التي نشاهدها بكثرة في شهر رمضان، أليست هذه الأعمال بعضها تهين المرأة أكثر مما تحاول كشف واقع تريد مناقشته وعلاجه؟ لو قرأنا فعلا أعمال رجاء عالم مثلا، أو أعمال ليلى العثمان سيتضح أن المرأة ليست سلبية طوال الوقت، ولا تقبل أن تكون خاضعة في سلطة الرجل، بل ترى ملامح التقدير والاحترام للآخر في مجمل شؤون الحياة.

> هل تقول إن لا وجود لروائيات خليجيات كسرن الصورة النمطية وقدمن عملاً روائياً حقيقياً؟

- بل أقول إن هناك أعمالاً كسرت التابوهات والممنوعات والمسكوت عنه في المنطقة وسجلت حضوراً إبداعياً، فمثلا وراية «الطواف حيث الجمر» لبدرية الشحي، توضح دور المرأة التي كانت مصرّة على أن تبحث عن الرجل الذي هرب بعيداً بكسر العادات والحواجز التي تمنعها من ذلك، كما تشير رواية {هند والعسكر» لبدرية البشر لدور المرأة المثقفة في المجتمع وكيفية اختياراتها، وتناقش ليلى الجهني الهوية والعلاقة بين الرجل والمرأة والمقارنة، بين المرأة من جهة والمكان (جدة) من جهة أخرى. وقس على ذلك، ولكن هذه ليست ظاهرة، وإنما حالات، فالأغلب هو الدور السلبي للمرأة، والرغبة في الخروج من هذا الدور بمواجهة المسكوت عنه.

- الثقافة في البحرين

> بالمناسبة، لماذا انكفأ الإنتاج الروائي في البحرين...؟

- المنجز الروائي البحرين لم ينكفئ، بل هو في ازدياد قياساً بالمساحة المكنية وعدد السكان؛ إذ لا ينبغي مقارنة المنجز البحريني – عدداً – بالمنجز السعودي مثلاً، لكن أؤكد لك أن النتاج الروائي في البحرين غير متوقف - لكن لا أقف عند المستويات الفنية والجمالية والدلالية، فهذا أمر آخر - ولو رجعنا إلى عقد الثمانينات من القرن العشرين سنجد من يكتب الرواية لا يتجاوز العدد أصابع اليد الواحدة، الآن لدينا أكثر من (100) رواية حتى هذا العام.

> من هم أبرز الروائيين البحرينيين الحاليين؟

- لا أرغب في التصنيف حالياً حتى لا أظلم أحداً، لكن على الرغم من وفاة عبد الله خليفة فلا تزال دور النشر تصدر أعماله الروائية التي كتبها ولم يطبعها بعد، ولا يزال محمد عبد الملك يصدر، وكذلك فريد رمضان، فضلا عن الشباب الذي بات عمله واضحاً وملموساً في الساحة الأدبية البحرينية. وحين الرغبة في التصنيف، يعني القيام بدراسة بحثية تحليلية لتصدر هذه الأحكام القيمية.

> ولماذا أيضاً لم تبرز روائيات بحرينيات...؟

- بالعكس، هناك عدد لا بأس به من الروائيات البحرينيات، لكن ربما الإعلام والصحافة مقصرة في هذا الجانب، فلدينا فتحية ناصر، التي لديها ثلاثة أعمال روائية، وكذلك معصومة المطاوعة، منيرة سوار، زهراء الموسوي، جليلة السيد، وغيرهن.

> أنت كنت عضواً في أسرة الأدباء والكتاب في البحرين، وعضو مجلس إداراتها، الكثير يقول إنها دخلت في سبات عميق منذ سنين، ما رأيك؟

- لا أريد أن أكون مدافعاً عن الأسرة الكيان الأدبي الذي تشكل وتأسس في العام 1969، وبخاصة أنني حالياً في منصب الأمين العام، لكن أقول إنها ليست في سبات ولا تراجع، الأسرة مرت مراحل هدوء وتراخٍ في العمل، وهذه طبيعة العمل التطوعي في كل مكان، لكن الأسرة لديها البرامج الثقافية المتواصلة، ولديها الاحتفال السنوي باليوم العالمي للشعر، ولها اتصالات ثقافية مع عدد من المؤسسات الأدبية والثقافية العربية، وقد شكلت قبل عام جماعات متخصصة في بعض المجالات الأدبية، فلدينا ملتقى القصة، ومختبر السرديات، وفضاء شعر، ونعمل على تأسيس جماعة تهتم بأدب الطفل. كما لدينا خطة للطباعة؛ إذ أصدرنا أكثر من عشرة كتب خلال سنة ونصف السنة تقريباً، ولدينا استضافات خليجية وعربية، وآخرها استضافة الروائي السعودي يوسف المحيميد. هذا بالإضافة إلى أن مجلس الإدارة يعمل على إعداد برنامج متكامل للاحتفال باليوبيل الذهبي للأسرة في العام 2019، أي بمرور 50 عاماً على تأسيسها.

- دراسات نقدية

> أصدر الدكتور فهد حسين عدداً من الدراسات النقدية، بينها: «نص في غابة التأويل» (نصّ مشترك) 2001: «إيقاعات الذات» 2002: «من الأدب الخليجي» (كتاب توثيقي) 2002: «المكان في الرواية البحرينية» 2003: «مسافات الدخول - صورة المرأة في روايات فوزية شويش السالم» 2006: «أمام القنديل - حوارات في تقنية الكتابة الروائية 2008: «بعيداً عن الظل – التجربة النسوية في منطقة الخليج العربية» 2012: «الرواية والتلقي – دراسات في لبعض الروايات العربية» 2012: «في اتساع الأفق – المشهد الثقافي البحريني» 2013: «إعداد كتاب حول سيرة إبراهيم حميدان بعنوان (إبراهيم حميدان سيرة ضوء) 2013: «مرجعيات ثقافية في الرواية الخليجية» 2016: «السرد الخليجي النسوي – المرأة في الرواية أنموذجاً» 2016.