زياد الدريس

كلنا يعرف مدينة مانشستر البريطانية.

بعضنا يعرفها لأن له فيها طالباً مبتعثاً للدراسة، بعضنا الآخر يعرفها لأن له فيها نادياً يشجعه بين المانشستريَّين: اليونايتد والسيتي. آخرون يعرفونها لأنها باتت محطتهم العلاجية المفضلة، خصوصاً بعد أن اتجهت إنكلترا مؤخراً لجعلها مدينة الطب الأولى في البلاد.

لكن الذي لا يعرفه كثيرون أن مانشستر هي مركز الثورة الصناعية ومنطلقها من أوروبا، بعد أن كانت لعقود طويلة قبلها هي مركز العالم لصناعة القطن بعد جمع محاصيله من مواطنه الأصلية إلى موطنه التصنيعي في شمال إنكلترا.

ومن قلب مانشستر انطلقت دعوتان أيديولوجيتان مؤثرتان في مسار العالم السياسي والاقتصادي والاجتماعي حتى اليوم، هما: الشيوعية، حيث بدأ مايكل أنغلز كتابة بدايات التأسيس التي ختمها لاحقاً، بالتراسل مع كارل ماركس، بكتابة نص «البيان الشيوعي» في منتصف القرن التاسع عشر. ومن المفارقات الملفتة، أن الشارع الذي تقع فيه دارة مؤسس الشيوعية، تقع في الجانب الآخر منه المكاتب التأسيسية الأولى لواحد من أكبر رموز الرأسمالية اليوم، متاجر «ماركس آند سبينسر»، والمفكر الشيوعي والتاجر الرأسمالي كلاهما يهودي!

أما الدعوة الأخرى فهي: الصهيونية، حيث كتب تيودور هرتزل على آلته الكاتبة، الموجودة في المتحف اليهودي بمانشستر حتى اليوم، الحروف الأولى لتشكيل الرابطة الصهيونية، ومن بعدها إصداره كتاب «الدولة اليهودية»، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر.

من المهم التذكير بأن مدينة مانشستر كانت إحدى أهم المدن الحاضنة هجرات اليهود إلى أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، حتى بلغ تعداد اليهود فيها ثلاثين ألف نسمة، مما زاد من وتيرة معاداة السامية في الإعلام المانشستري المحلي حينذاك، مما اضطر اليهود لتشغيل متاجرهم بمانشستر وسط الأسبوع ثم الانتقال في نهاية الأسبوع إلى مدينة ليفربول الأكثر أمناً وهدوءاً.

الوضع الديموغرافي لمانشستر شهد تحولاً كبيراً خلال الخمسين سنة الماضية، حيث أصبحت الجالية المسلمة، من أصول هندية وباكستانية خصوصاً، تمثل نسبة كبيرة من سكان المدينة بتعداد يقارب مئة وخمسين ألف نسمة، وبثقل ضاغط تجارياً وسياسياً، يؤكده حصول المرشح البريطاني من أصول باكستانية السيد أفضل خان في الانتخابات البرلمانية الأخيرة على أكثر من ٣٥ ألف صوت، في حين حصل المرشح الثاني بعده مباشرة على ٣ آلاف صوت فقط!

لكن، هل سيمتد هذا النفوذ السياسي لمسلمي مانشستر ليصل أيضاً إلى ساحات العلوم وإنجازاتها وجوائزها؟ إذ من الإنصاف أن نقول إن الوجود اليهودي في مدينة مانشستر، الفعّال علمياً وصناعياً وتجارياً، قد ساهم بلا شك في جعل مانشستر المدينة الأولى عالمياً في الحصول على جائزة نوبل للطب وللعلوم، وذلك بالتأكيد، عبر الإرث الأكاديمي المتين لجامعة مانشستر.

سيكون من المثير والمؤلم القول إن مدينة مانشستر وحدها حصلت على ٢٥ جائزة نوبل، في حين حصل العالم العربي كله على ٧ جوائز فقط!

هل ستصيب مانشستر سكانها العرب والمسلمين بعدوى التفوق الفذ لها، أم يحدث العكس؟!