أندريه غليبوفيتش باكلانوف

 من شأن الزيارة التاريخية الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين التي يجريها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو أن تشكل نقطة تحول وانطلاق في بناء علاقات بين البلدين جديدة بمحتواها وزخمها ونتائجها.


كيف يجب أن تكون تلك العلاقات؟

قبل كل شيء يجب أن تحمل العلاقات الثنائية طابعاً مستقراً، ولا يجوز أن تكون رهينة النزاعات والأزمات التي تنشأ في منطقة الشرق الأوسط المضطربة. ويجب القول إنه حتى الآونة الأخيرة كانت العلاقات بين الجانبين تتطور بشكل غير مستقر، ومع الوقت حل تراجع وتيرة تلك العلاقات بديلاً عن المرحلة التي شهدت فيها العلاقات تطوراً وكانت قائمة على الثقة المتبادلة. يجب علينا أن نحمل معنا إلى الغد كل الأفضل، وكل ما هو طيب موجود في تاريخ علاقات التعاون الروسية - السعودية، وأن نبعد كل ما يعيق التجسيد الفعلي للقدرة الكامنة الهائلة للتعاون بين بلدينا؛ ذلك أنه من الناحية الموضوعية فإن مصالحنا تتقاطع حول أهم القضايا.

إن المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية دولتان نفطيتان كبيرتان، وتؤثر أسعار النفط في السوق العالمية بشكل ملحوظ على اقتصاد وحياة الناس في البلدين. من هنا فإن القضية الأولى التي بحاجة لحل هي وضع آليات شراكة وثيقة واستراتيجية في المجال النفطي، ويجب أن تكون تلك الآليات على أرفع المستويات، التي من شأنها أن تضمن التعامل السريع مع الوضع في مجال أسعار النفط في السوق العالمية، وإمكانية اعتماد تدابير تقوم الجهات التنفيذية في المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية بتنفيذها بسرعة. وتجدر الإشارة إلى أن بلدينا حققا في الآونة الأخيرة تعاوناً وثيقاً في هذا المجال، وأصبحا عملياً رئيسين يقودان الحوار الذي يجري بمشاركة دول منظمة «أوبك» والدول النفطية الكبرى من خارج المنظمة حول المسائل المتعلقة بأسعار النفط. لكن لا بد من المضي قدماً في هذا الشأن. ومن الاتفاقيات لمرة واحدة، التي تساعد على تعديل الموقف في أسواق الطاقة؛ يجب الانتقال والشروع في تأسيس منظومة دولية لتنظيم السوق تعمل على أساس دائم. وأعتقد أنه بوسع روسيا والسعودية أن تقدما معاً اقتراحات متفقاً عليها بهذا الخصوص.

المسألة الأخرى التي تتطلب حلاً، وتتعلق بالتأثير الذي تخلفه على علاقاتنا الثنائية، تلك العمليات المعقدة والأزمات والنزاعات، التي لا تتراجع للأسف، في منطقة الشرق الأوسط والعالم بشكل عام. ولنكن صريحين، كانت هناك تباينات جدية في وجهات النظر بين البلدين، حول الأزمة السورية والوضع في اليمن. وعلى مدار سنوات أدى هذا التباين إلى فتور العلاقات الثنائية، وأثر بصورة سلبية على معايير الاتصالات الثنائية. لكن السؤال: هل كان أي من بلدينا المبادر في افتعال أي من تلك النزاعات؟ بالطبع لا. إذا هل يجوز أن نسمح للأحداث والعمليات التي لسنا سبباً في وقوعها، أن تؤثر بهذا الشكل السلبي جداً على مجمل علاقاتنا، بما في ذلك في المجال الاقتصادي؟ أعتقد أنه في ظل هذا الوضع لا نحتاج فقط إلى تحسين منظومة مشاوراتنا السياسية حول القضايا الإقليمية والمسائل الدولية الحادة، بل يجب كذلك ألا نسمح لتلك القضايا بعرقلة وإعاقة تطوير علاقات التعاون الثنائية، الروسية - السعودية المفيدة للطرفين.

وهناك الكثير من الأمثلة عن التعاون الثنائي، منها تنظيم الحج؟ ففي المراحل التي كان الوضع فيها متوتراً للغاية في العلاقات السياسية بين بلدينا، على خلفية التباين في وجهات النظر حيال شؤون إقليمية، كان هناك تعاون مثالي في مجال تنظيم زيارة الحجاج من المسلمين الروس إلى الديار المقدسة. وفي هذا العام أدى فريضة الحج 23 ألف مسلم روسي، يمثلون 70 منطقة في أكبر بلد مساحة في العالم، أي روسيا الاتحادية. وبعد عودتهم كرر جميع الحجاج عبارات شكر صادقة على حفاوة الاستقبال من جانب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.

ومن الأمثلة حول التعاون، يمكننا أن نشير كذلك إلى الاتصالات التي تتطور بشكل مستمر بين مجلسي البرلمان الروسي من جانب، ومجلس الشورى في المملكة العربية السعودية من جانب آخر. وأكدت على تطور تلك العلاقات الزيارة التي أجراها وفد برلماني روسي إلى المملكة العربية السعودية في أبريل (نيسان) 2017، برئاسة فالنتينا ماتفيينكو، رئيسة المجلس الأعلى في البرلمان الروسي، أي المجلس الفيدرالي، وقد استقبل الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حينها الوفد البرلماني الروسي.

وتعبر روسيا عن امتنانها للمملكة العربية السعودية على الدور الذي لعبته في مسألة انضمام روسيا إلى منظمة التعاون الإسلامي بصفة عضو مراقب. وبكل سرور أذكر عام 2005، حين دعتني القيادة السعودية بصفتي حينها سفيراً لروسيا الاتحادية في الرياض، إلى مدينة جدة، حيث أتيحت لي فرصة إلقاء كلمة أمام ممثلي الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، أوضحت فيها دوافعنا للتقدم بطلب الانضمام إلى نشاط المنظمة. حينها حدثت الحضور عن 23 مليون مسلم روسي، عاش أجدادهم دوماً على الأراضي الروسية، ويشكلون جزءاً لا يتجزأ من القومية الروسية. وأعدت إلى الأذهان كلمات الرئيس فلاديمير بوتين، الذي أعلن رسمياً أن الإسلام جزء رئيسي هام من الإرث الثقافي - الأخلاقي القومي والتاريخي لروسيا. ومما يثلج الصدر أن تعاوننا مع الزملاء السعوديين أتى بنتيجة رائعة، تجسدت بموافقة بالإجماع على طلبنا بالانضمام إلى منظمة التعاون الإسلامي بصفة عضو مراقب.

وبالعودة إلى الوضع في مجال التعاون التجاري - الاقتصادي، يمكن القول إن هذا المجال له خصوصية معينة؛ ذلك أن الأرقام حول حجم التبادل التجاري بين البلدين لا تعطي الصورة الحقيقية لحجم وطبيعة العلاقات التجارية بين البلدين؛ إذ تشكل الطاقة الجزء الأكبر من الصادرات، إن كان في روسيا الاتحادية أو في المملكة العربية السعودية، أي أن نوعية الصادرات متطابقة إلى حد ما. لذلك فإن مؤشر التعاون الاقتصادي والعلمي التقني بين البلدين في مجال التقنيات عالية الدقة في القرن الواحد والعشرين، أهم بكثير من مؤشر حجم التبادل التجاري. ولدى الجانبين ما ينطلقان منه في مجال التعاون التقني، حيث يجري حاليا تعاون وثيق بين البلدين في مجال الفضاء، وتحديداً الإطلاق المشترك لأقمار صناعية للاتصالات. وعليه فإن التعاون العلمي - التقني وفي مجال التقنيات الحديثة، يجب أن يصبح رئيسياً في علاقاتنا التجارية. أنا على يقين بأن زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا، وتنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه على أعلى مستويات بين البلدين، ستساهم في تحقيق نقلة نوعية في التعاون التقني.


*المستشار في رئاسة المجلس الفيدرالي الروسي

نائب رئيس رابطة الدبلوماسيين الروس

سفير روسيا الاتحادية السابق لدى السعودية