محمد علي فرحات

سبعة أميركيين نالوا حتى اليوم جوائز نوبل (في الطب والفيزياء والكيمياء)، فيما لم يفق مواطنوهم من صدمة مجزرة لاس فيغاس التي ارتكبها ستيفن بادوك (64 سنة)، قاتلاً ما يزيد عن 59 وجارحاً حوالى خمسمئة من مرتادي حفلة موسيقية تعلن فرح الحياة. وكالعادة لا بد من استحضار الإسلام والمسلمين في كل محنة يمر بها عالمنا، فقد تبنّى «داعش» المجزرة، معتبراً المجرم الستيني الأبيض واحداً من أفراد خلاياه الكامنة، بل إنه أكد اعتناق بادوك الإسلام قبل أشهر قليلة من الجريمة. وبذلك يربط «داعش» بين الإسلام وكل ما هو سلبي، كأنه يدعو الناس إلى كراهية المسلمين أو عزلهم. هذه هي رسالته، لا أكثر ولا أقل.

ستجد الولايات المتحدة ودول أوروبا طرائق لحماية مجتمعاتها من «داعش» وأمثاله. لكن، ماذا عن العرب والمسلمين في هذه المواجهة؟

ثمة قطيعة يلاحظها المراقبون بين إدارة الدولة العربية الحديثة ومجتمعها، بعدما فقد هذا المجتمع الخبرات القديمة لإدارة أحواله الاقتصادية والثقافية وتعوّد على الخضوع لقوانين تسقطها السلطة عليه. وقد تسببت هذه القطيعة بفراغ ملأه «داعش» وأشباهه من تشكيلات عبثية تتلاعب بالشعارات الدينية الإسلامية، مستغلاً كسل المؤسسات الدينية التقليدية أو عدم كفاءتها أو انقطاعها عن متغيرات الاجتماع الإنساني. ولن يستطيع مؤمن مسلم فرد يعمل طوال النهار لإعالة أسرته أن يجد وقتاً للدفاع عن إيمانه في وجه «داعش» وأمثاله. إنه يكتفي بفعل الإيمان ويلجأ إلى الصبر متوقعاً أن تأتيه الضربة من إحدى جهتين، المتطرفين الإسلاميين والذين يواجهون هؤلاء المتطرفين.

يتلقى «داعش» وأشباهه ضربات قاتلة في المشرق العربي، لكنه لا يزال يحقق انتصارات على الإيمان الإسلامي في كل تفجير يقوم به مجرموه في مشرق العالم ومغربه. وهم إذ يقتلون بريئاً فإنما يعرّضون للضرر أو للقتل عشرات من المسلمين المنتشرين. كيف لهؤلاء أن يتعبّدوا في بيوتهم بسلام؟ كيف لهم أن يصلّوا الجمعة في المسجد فيما تراقبهم عيون الشك في ذهابهم وعودتهم؟ ويتفاقم الأمر حين يضطرون إلى سماع خطبة إمام مسجد قليل العلم، قليل التجربة وقليل الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية، ولنقل الإيمانية، يعلي صوته في التحريض على وطنهم الجديد وشركائهم في المواطنة، داعياً إلى حماية الذات بكراهية الآخر.

إعلان «داعش» انتماء القاتل الأميركي إليه، على رغم أن التحقيقات لم تثبت ذلك، قد يشير إلى أن عمليات «داعش» تستغلها أطراف عدة، بل إن بيانات التنظيم الإرهابي ليست بالضرورة صادرة عن جهة واحدة. وقد يصل الأمر بـ «داعش» إلى تبنّي كوارث ناشئة عن أسباب طبيعية لا بفعل إنسان مجرم. نحن أمام قصص دموية لكنها جوفاء، وهي عبثية في أي حال.

وقد يكون «داعش» عنواناً لمسمّيات عدة. هذا ما بدأ يُفتضح بعد تلقي التنظيم ضربات في الأماكن التي احتلها في العراق وسورية، حيث استضاف تجمّعات متعددة الثقافات تحكمها قوانين مزاجية وديكتاتورية في آن، وبعث من خلالها إلى العالم برسالة واحدة هي تقديم الإسلام والمسلمين في صورة شوهاء ومخيفة وباعثة على النفور. وربما وصل الأمر إلى أن ترتكب تنظيمات مسلحة تابعة لدول معينة عمليات إرهابية، خصوصاً في أوروبا، ويزجّ باسم «داعش» في بيان هذه العمليات. وتضع الجهات الأمنية بالتأكيد مثل هذا الاحتمال، وربما رصدت، على سبيل المثال، خيوطاً في ملاحقة مجرمي «داعش» بين فرنسا وبلجيكا.

سيخسر «داعش»، لكن الفراغ باقٍ في معظم العالم العربي، حيث تعيش أجهزة الدولة في واد والمجتمع الذي يفترض أن تدير شؤونه في واد آخر. أما المسلمون المنتشرون في الدول المتقدّمة حضارياً فتحميهم قوانين تلك الدول التي ترعى المؤمن بالإسلام أو بأي دين آخر كما ترعى غير المؤمن من مواطنيها. يحميهم القانون كمواطنين أكثر مما تفعل هيئات بعيدة تنطق باسمهم من دون أن تستشيرهم.