عمرو عبد السميع

هذه هى الجملة التى يستخدمها أثرياء المصريين عند عودتهم من حفل أو فرح أو من الساحل الشمالى الغربى من قرى سيزار ومراسى تلال وأبو حنين وغيرها، أو من المراقص والفنادق والجونة وتجمعات الفرح والمرح والفرفشة.. «لقينا مصر كلها هناك».. عن أية مصر يتكلمون؟.. بالقطع هم يتكلمون عن مصر التى تخصهم ولكنها لا تخص عموم المصريين.. هذه نقطة خطيرة ومناقشتها من الناحية النفسية والدرامية تخبرنا بأن ثقافة الانفصال قد تأسست وتكرست فى هذا البلد، نتيجة السماح لطبقة ما بمراكمة ثروات كبرى من مصادر مجهولة يعتبرها البعض «هدايا القدر»، ولكنها ليست وليدة الإسهام فى نشاط إنتاجى يحقق نهضة الوطن، وعبثا نحاول الاهتداء إلى الطريقة التى حقق رموز ونجوم الطبقة الثرية القائدة فى المجتمع اليوم ذلك التراكم المالي، وأوجدوا نتيجته ما نعيش فيه من تعبيرات اجتماعية عن ذلك التراكم المالي، فالرأسمالية الجديدة فى مصر لم تحقق بدايات ثرواتها إلا من منح أسبغتها عليها الإدارة، سواء كانت من الأراضى أو القروض أو من التوكيلات التى تربطهم بالشركات الأم وراء البحار وتؤسس لما يسمى اقتصاد «الكومبرادور» التابع.. الرأسمالية الجديدة فى مصر لم تناضل من أجل بناء ثرواتها ولكنها ـ فى معظمها ـ مجموعة من الناس هبطت على المجتمع بالباراشوت وقررت أن تخصص مصر أو تؤممها، ولا ترى غيرها من يستحق الوجود فيها، لقد اتسع الفارق بعد الإجراءات الاقتصادية المؤلمة التى ترى الحكومة أن معاناة الكادحين وبقايا الطبقة الوسطى المنقرضة سوف تؤدى بالبلاد إلى عبورها وتجاوزها.. «لقينا مصر كلها هناك»، هذه جملة توحى بأن الطبقة الثرية لا ترى إلا من ينتمى إليها أو يسير فى ركابها حتى يظل طافيا ولو على حافة المجري، هم ينتظرون من فقراء مصر أن ينتجوا للبلد، وأن يجوعوا من أجلها، وأن يحاربوا ويستشهدوا فى سبيل ترابها، وأن يتألموا حين تضربهم يد العوز والاحتياج، وأن يتفانوا فى خدمة الأثرياء بالتجمعات التى أصبحت تلمهم وتحتضنهم، حتى يفرح السادة ويهتفوا بنشوة الاكتشاف: «لقينا مصر كلها هناك»!