عبده وازن

هل منحت الأكاديمية السويدية الروائي كازوو ايشيغورو جائزة نوبل للآداب 2017، بصفته يابانياً يكتب بالإنكليزية أم بريطانياً ياباني الأصل؟ وإذا فاز بصفته يابانياًَ فهو يكون الثاني في اليابان يفوز بجائزة نوبل بعد مواطنه كنزابورو اوي الذي حصدها عام 1994. أما الشهادة التي برّرت الأكاديمية فيها قرار منحه الجائزة فلم تشر إلى هويته أو انتمائه، وبدت حيادية وأدبية و أفادت بأن ايشيغورو «كشف في روايات مشحونة بعواطف قوية، الهاوية الكامنة في عمق شعورنا الوهمي بالتواصل مع العالم». 

هذا كلام عام ينطبق على أعمال روائية كثيرة ولا يعبر عن جوهر التجربة التي خاضها هذا الكاتب الستيني الذي يحمل في روحه مأساة ناكازاكي المدينة التي ولد فيها عام 1954، بعد 9 أعوام على إسقاط الطائرات الأميركية عليها قنبلتها النووية الثانية بعد قنبلة هيروشيما (1945). وبينما كان متوقعاً في «الأجندة» اليابانية فوز الروائي هاروكي موراكامي الرائج شعبياً وعالمياً والذي يتصدّر قوائم الروايات الأكثر مبيعاً، حلّ محله هذا الروائي، الذي روّجت اسمه جائزة البوكر البريطانية عندما فاز بها عام 1989، عن روايته «بقايا اليوم». ومثلما فعلت الأكاديمية في عام 2000، عندما منحت جائزتها إلى الروائي الصيني الفرنسي غاو اكزينغيان مثيرة حفيظة الصين، شاءت هذا العام أن تكرّم بلدين معاً، البلد الأم والبلد بالتبني، مع أن ايشيغورو بات يميل إلى بلده الثاني الذي قرّر المكوث فيه منذ عام 1960 رافضاً العودة مع والديه إلى اليابان. لكنه لم ينسَ بلده الأول ولا مأساة القنبلة النووية والاعتداء الأميركي الرهيب، فكتب عن هذه القضية روايته «فنان العالم العائم» (1987). درس ايشيغورو في بريطانيا وتزوج من إسكتلندية وانخرط في الحياة العامة، وغدت لغته الإنكليزية كأنها لغته الأم وبرع في تطويعها والكتابة بها. وكتب أخيراً في مسألة البريكزيت محتجاً على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

في الثالثة والستين، يكتب اشيغورو برويّة كما عبّر مرة، رواياته لم تتخطّ السبع، إضافة إلى مجموعة قصصية وأبحاث ومقالات صحافية. يميل ايشيغورو إلى أن يكون من الكتّاب المقلّين على خلاف معظم الفائزين بجائزة نوبل أو المرشّحين لها. لكن رواياته تتميّز بقوتّها التعبيرية وبنائها المتماسك وآفاقها الرحبة. روايته «بقايا اليوم» (1990)، التي حوّلها جيمس ايفوري فيلماً سينمائياً بديعاً، تدور في جوّ بريطاني خالص يمثله قصرٌ عريق، وفيها تتقاطع الذاكرتان الفرديّة والعامّة، من خلال شخصية رئيس خدم (ستيفنس) يظن أنه أدى خدمة إلى الإنسانية جمعاء بعدما بذل حياته في عمله في القصر، وهو كان كلما ابتعد عن القصر، يفهم حياته التي قضاها بين جدرانه. أما روايته «فنان العالم العائم» (1987)، فتدور وقائعها في اليابان من خلال قصة شخص مهزوم يرمز إلى جيل بعينه، شخص يعيد النظر في القيم التي يملكها بعدما بات يسكنه شعور بالخسارة إزاء المأساة، التي حلّت على الشعب الياباني إبّان الحرب العالمية الثانية. ومن أعماله الروائية: «رؤية شاحبة للتلال» (1982)، وهي تدور حول الشعور بالذنب في بعده العائلي، «من لا عزاء لهم» (1997)، وموضوعها الرئيس، النسيان والجحود، «عندما كنا أيتاماً» (2001)، «لا تدعني أرحل البتة» (2006)، وقد استوحى منها المخرج مارك رمانك فيلماً سينمائياً، «المارد المدفون» (2015)... وكتب ايشيغورو قصائد لمغنية الجاز الأميركية ستايسي كنت.

وفي أول ردّ فعل على فوزه صرّح ايشيغورو إلى إذاعة «بي. بي. سي» قائلاً: «إنه لشرف عظيم أن أفوز بجائزة نوبل، فهذا يعني خصوصاً أنني أسير على خطى أعظم الكتاب الذين عاشوا على هذه الأرض، إنني مذهول حقاً».

أما عربياً، فكانت القاهرة سبّاقة في ترجمة أعماله وضمّها إلى المكتبة العربية والروايات أربع، وهي وفق المترجمين: «من لا عزاء لهم» (ترجمة طاهر البربري، 2005)، «عندما كنا يتامى» (طاهر البربري، 2008)، «بقايا اليوم» (ترجمة طلعت الشايب، 2009)، «فنان من العالم الطليق» (ترجمة هالة صلاح الدين حسين،2014)، والترجمات صدرت كلها عن المركز القومي للترجمة.