صفوق الشمري

جماعة الإسلام السياسي كلها تتشابه في الأفكار مع اختلاف الأساليب، لكن بدون شك أن أفضل من يتلاعب في العباءة الدينية هم الإخوان، نتيجة الخبرة، واللعب مع عدة أنظمة

لا زلت أذكر قبل سنوات عندما بدأ ما يطلق عليه الربيع العربي أو (الخريف)، كتبت مقالات انتقد الثورة في مصر وكيفية استغلال الإخوان المسلمين لها في مصر، وإنهم يغررون ويستخدمون الشباب المتحمس في الميادين، وبعدها سينزل الجميع من الباص، وسيبقى الإخوان الذين يعرفون كيف يستغلون الأحداث، مما وضعني في القائمة السوداء التي نشرت في حينها للكتاب أعداء الثورة، والحقيقة أنها كانت لقائمة أعداء الإخوان، البعض كان يقول إني تسرعت في الهجوم على الإخوان لأنهم كانوا النظام الحاكم والمسيطر، ولكن استمررت على نفس الخط إلى أن تغيرت الأمور، والحقيقة أن مشكلتي مع الإخوان بدأت قبل ذلك بزمن بعيد فكنت أتصادم معهم فكريا خصوصا في مسائل الغطاء الديني والولاء والوطنية.
مشكلة الإخوان الأزلية أنهم يلتحفون بالدين للوصول لأهداف سياسية، وهذا أسوأ أنواع الاستغلال، لأن الدين بطبيعته طاهر والسياسة بطبيعتها لعوبة ومتسخة، فلذلك محاولة استغلال الدين فيها إساءة، عندما بدأ الخريف العربي قام الإخوان بحملة تسويق كبرى في الغرب بأن ما حدث بالخريف العربي هو موجة الديمقراطية العالمية الرابعة، بناء على نظرية سموائيل هونتنغتون الشهيرة، وأذكر وقتها كتبت بحثا أكاديميا مطولا باللغة الإنجليزية نشر في مجلة العلوم السياسية، مستخدما نفس قواعد ونظرية هونتنغتون لإثبات أن ما حدث ليس ثورة ديمقراطية كما كان يروج الإخوان، وكان هناك نقاش كثير، لكن اقتنع الكثيرون بالأدلة والمقارنات التي سردتها. 
الإخوان إلى حد ما يحاولون استنساخ نظام ولاية فقيه سني مع أنهم أقدم منه، وهناك تشابه لا يمكن إنكاره بين جماعة الخميني وجماعة الإخوان، حتى من ناحية التقية. عموما جماعة الإسلام السياسي كلها تتشابه في الأفكار مع اختلاف الأساليب، لكن بدون شك أن أفضل من يتلاعب في العباءة الدينية هم الإخوان، نتيجة الخبرة المتراكمة لعقود، واللعب مع عدة أنظمة. ويقال (لا تثق بالفقيه المسيس ولا بالسياسي المتفيقه، فالأول كاذب والثاني مراوغ).
قبل 5 سنوات في عام 2012 كتبت مقالا في الأستاذ جمال خاشقجي والإخوان المسلمين بعنوان (ما هكذا تورد الإبل يا أستاذ جمال)، وغضب قليلا أبو صلاح، لكن كما هو يعرفني أنا لم أهاجمه شخصيا بل إني أكره أي هجوم عنصري كما يحدث بعض الأحيان في وسائل التواصل، ولكن هاجمت علاقاته ودفاعه عن الإخوان، وعن جماعة أساءت للعرب والمسلمين. عموما استمر أبو صلاح على خطه وأنا استمررت على خطي، ولكن بقي بعض التواصل في الأعياد والمناسبات من خلال تويتر، وهو بارع ومتمكن في المشي على الحبال، لكن المشكلة الكبرى في الأستاذ جمال رغم أنه إنسان عملي إلا أنه يكتب بعاطفة عندما يتعلق الأمر بالإخوان، فالهوى غلاب، وكمثال كان يفخم ويبشر بالتدخل التركي في سورية، ويعيد ويكرر عن الخطوط الحمراء للأتراك في سورية، ولا توجد جهة مسحت خطوطها الحمراء وأزبدت وأرعدت دون أفعال تذكر كما الأتراك، بل إنهم تفوقوا على أوباما في الخطوط الحمراء الوهمية التي مسحت. وربما لم يضعف الثورة في سورية مثل جماعة الإخوان وسوء إدارتها، بالإضافة لتلاعب نظام الشيطان في دمشق.
مرت السنين ورأيت أبا صلاح في دور جديد، وهو المعارض في المنفى الاختياري! كما في مقاله في الواشنطن بوست، خاشقجي يعرف جيدا أن نظام الحكم السعودي منذ عقود لم يأخذ أحدا بجريرة أحد أفراد عائلته، فما بالك عندما يكون في الحكم الرجل الذي كان ولا يزال صديق المفكرين والصحفيين، فأستغرب الكلام الموجود في المقال، أما مسألة الاختلاف في الرأي والنقد، فالاختلاف موجود بل هو ظاهرة صحية، وهكذا تتطور الأمم وتتقدم، وهناك لعقود مماحكات بين التيارات، والحكومة تعلم فيها ولا تتدخل إلا في شيء قد يخرج عن المألوف أو يهدد الوحدة الوطنية، فلا يوجد كاتب واحد يتفق كليا 100% مع كل ما تقدمه الحكومات، فالنقص والخطأ من طبيعة البشر، لكن هناك ميزة مهمة عليها إجماع من جميع الكتاب ألا وهي أن كل النقاش والاختلاف والمناظرات كانت تحت سقف الوطن، فهو بيتنا الكبير الذي يجمعنا من جميع التيارات والأفكار، وأبو صلاح خرج هذه المرة عن الإجماع. 
يا أستاذ جمال أنت ملم بالتاريخ، وتعرف جيدا أن (المتغطي بالأميركان عريان) كما في المقولة، والأمثلة كثيرة عن أشخاص رماهم الأميركان عند أول منعطف، وأنت ملم باللغة الإنجليزية وتعرف المثل الأميركي (رماه أمام الباص)، أما تعليقاتك عن الحاشية، فأنت تعرف جيدا أن أبا فهد-حفظه الله- يتعامل مع الحاشية والصحفيين قبل أن نولد أنا وأنت، ويستطيع تمييزهم، ويعرف المطبل والمبالغ والناصح، فلا تبالغ في تأثيرهم على اتخاذ القرار، فإن كان من نصيحة فربما أرجو أن تعود إلى وطنك، فلدينا وطن بقلب كبير ودائما ما يستوعب ويقبل أبناءه، ولدينا قائد استثنائي وحكيم، ورث منه ولي عهده هذه الصفات وأبوابهما دائما مفتوحة.