هالة القحطاني

في تعميم واضح لا يقبل الادعاء بعدم الفهم أو التفسير، وجه وزير التعليم الجامعات بعدم منع الطالبات من الدخول بالهواتف الذكية إلى الحرم الجامعي، أو منعهن من استخدامها داخل الجامعة، وذلك بعد أن تلقت الوزارة عددا كبيرا من الشكاوى المقدمة من طالبات وأولياء أمورهن، ضد سبع جامعات وكليات على الأقل، فضلا عما سببت إجراءات التفتيش لهن، من إحراج وانزعاج وتأخر على المحاضرات.


فمن الطبيعي أن يتعرض المسافر للتفتيش مرة قبل صعود الطائرة، والسجين مرة قبل دخوله الزنزانة، أما طالبة الجامعة فمن غير اللائق أبدا أن تتعرض للتفتيش يوميا، من أجل مصادرة هاتف نقال يستخدمه العالم بشكل يومي. كما أن ذلك التفتيش الشخصي، الذي تمارسه بعض الجامعات لا يحق لها بإجرائه دون مسوغ رسمي، مهما كانت ذرائعها. وعلينا أن نتوقف قليلا ونسأل، هل كان إجراء التفتيش بقرار وزاري، أم اجتهادا من بعض الجامعات، ولماذا تجزم كثير من الأقسام النسائية وغيرها بالسوء، وترسيخ ثقافة نزع الثقة من الفتاة، وتجعلها دائما في محل اتهام دون أن ترتكب مخالفة. فالوزارة وضحت سابقا أنها جهة للتعليم وليس للتربية، لأن التربية من واجبات الوالدين في المنزل، وكثير من الأسر لن تقبل أن يُشكك في بناتها أو تعامل كمتهمات بدلا من طالبات.
ومصادرة تلك المساحة المتواضعة من الحرية الشخصية للطالبات في المدارس والجامعات، إجراء لا إنساني، كان وما زال يمارس من قبل بعض مديري المدارس والجامعات منذ عقود. وما يثير الاستغراب مؤخرا، بأن نفس المسؤولين في الوزارة وإلى وقت قريب جدا، كانوا يثنون ويشجعون على تلك الممارسات. فما زلت أذكر وكأنه حدث بالأمس، تلك الحملات التي كانت تقودها مديرة ووكيلة المدرسة في المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، لمصادرة الأمشاط ومرطبات الشفاه، وقوارير الكولونيا الدعائية الصغيرة، التي كانت الفتيات يضعن قطرة منها قبل طابور الصباح. فأي ظواهر أو ملامح تشير بأن هناك أدوات تستخدم للعناية الشخصية، كانت تصادر وتلقى في القمامة، وتعتبر من تُضبط متلبسة بالنظافة «قليلة أدب»، وأحيانا تكون العواقب وخيمة، حيث يُشهر بها بالوقوف في الساحة، ثم تُستدعى والدتها وكأنها ارتكبت جريمة.
وحين كانت تستنكر بعض الأمهات كيف للعناية الشخصية أن تصبح مخالفة كبرى، كانوا يبررون ذلك، بأن المدرسة مكان للتعلم وليس «للدلع والمسخرة»، مع أن العناية الشخصية متطلب ضروري في جميع الأماكن التي يتواجد بها عدة أشخاص في آن واحد. 
لذلك ما يحدث في الجامعات من ممارسات لنزع الثقة ومصادرة للحقوق الشخصية البسيطة، ما هو إلا امتداد لثقافة لازمت أجيالا سابقة في سنوات تعليمية، لتصبح معتقدات منقوشة على الحجر، يصعب عليهن التخلص منها. ويعتقد عدد كبير بأن تضييق جميع المنافذ أمام الفتاة، سواء امرأة بالغة أو طالبة، سيمنعها عن القيام بأي حماقة، لذلك لا أستغرب المقاومة الهادئة التي استنفرت عددا من الجامعات، بعد قرار عدم منع الهواتف الذكية.
فمثلا نوهت جامعة في المنطقة الشرقية بأن (مدير الجامعة وجه بتشكيل لجنة لوضع ضوابط لاستخدام الهواتف الذكية في الجامعة، ورجت الطالبات من عدم إحضار الجوالات الذكية حتى يتم الإعلان عن تلك الضوابط). وأصر بعض العاملين في جامعات أخرى بأن التعميم ليس مفهوما ويحتاج لتفسير، حيث صرح أستاذ مشارك في قسم الدراسات الإسلامية، بأن دخول الجوال وإجراء المكالمات مسموح به في قسم الطالبات، ولكن في انتظار لإيضاح من الجهات المسؤولة من الوزارة بشأن هاتف الكاميرا!!
بينما اختارت جامعة أخرى أن ترضخ للقرار بإضافة لمساتها الخاصة، حين نشرت على حسابها تهديدا ليس مبطنا بل مباشر، بأن استخدام الهاتف لغير ما خُصص له يعرض لعقوبة الفصل من الجامعة. مع أن الوزارة كانت واضحة في نص القرار، حين حثت الجامعات على زرع الثقة بينهم وبين الطالبات لا نزعها.
ونفس تلك الجامعات اعتادت على مصادرة حق الكوادر النسائية العاملات داخلها، من إدارة الأقسام النسائية، في تهميش جماعي، رضخت أمامه كثير من القيادات النسائية على مضض، ومنذ خمسة أيام فقط بدأ سباق فجائي بين تلك الجامعات وبعض الوزارات الحكومية المختلفة، حين أطلقت تغاريد صنفتها المنصات الإعلامية كـ(خبر عاجل)، لتعلن عن تعيين بعض منسوباتها في مناصب قيادية، لتثبت للحكومة أنها أول من تجاوب في تمكين النساء من المناصب القيادية. ومع أنها حين فعلت لم تحدد صلاحياتها أو المهام المنوطة بها في ذلك المنصب. 
والتعليم اليوم، ليس بحاجة لإطلاق تغاريد لتأكيد قراراته فقط، بل لورش عمل مكثفة، تعمل على تحديث عقول وأفكار بعض المسؤولين الذين يقودون الصروح التعليمية في المملكة، وحثهم على ضرورة التحلي بالمرونة لمواجهة التحديات الراهنة التي تتطلب التعامل بثقافة مختلفة مع جيل فتي وطموح، بزرع الثقة في نفسه، لا نزعها بممارسات قديمة ومترهلة، ودون الانزلاق في حفرة المقارنة الذهنية التي يقيس عليها الفرد التعامل في زمن آبائه الذي مضى، ويصر على تطبيق ذلك في الزمن الحاضر لأبنائه وأحفاده ومستقبلهم.