فهد عامر الأحمدي

حين زرت موسكو لأول مرة شاهدت ستالين في كل مكان.. شاهدت تماثيله ومبانيه وساحاته وقبره.. ومثل أي دكتاتور عظيم يملك الروس حياله مشاعر مختلطة؛ فهو من جهة طاغية تسبب بوفاة 24 مليون إنسان، ومن جهة أخرى حاكماً عظيماً أسرع الخطى ببلاده وصنع منها منافساً قوياً للغرب (وفي استفتاء جرى عام 2012 اعتبره 49 % من الروس بطلاً قومياً)..

كان يرى في الموت والإبادة حلاً لجميع المعضلات (ومن أقواله الخالدة: موت إنسان مأساة وموت شعب مسألة إحصائية) ولكنه في المقابل حول روسيا إلى قوة عظمى فجرت قنابلها الذرية وغزت الفضاء قبل الأميركان.. في عهده صنعت روسيا طائراتها العسكرية وصواريخها النووية - وحين شاهد ناطحات شيكاغو أمر ببناء سبع مثلها في موسكو (تدعى اليوم باسم الأخوات الست كون السابعة لم تبن قط)..

صحيح أن لينين -الذي سبقه- كان قائد الثورة البلشفية ومنظر الفكرة الشيوعية؛ ولكن ستالين هو الرجل الذي طبقها على أرض الواقع (بما في ذلك هدم الكنائس ومنع الأديان).. قبل تسلمه السلطة كانت روسيا بلداً زراعياً فقيراً، وعند وفاته كانت بلداً صناعياً عظيماً هـزم هـتلر واحتل شرق أوروبا وصعد إلى الفضاء وامتلك صواريخ عابرة للقارات.

لم يكن الروس يتفوقون على الغرب في الإمكانيات المادية والتقنية ولكن جبروت ستالين عوض كل النواقص.. كان يكتفي بإلقاء الأوامر ومن يعجز عن التنفيذ يتم إعدامه أو نفيه إلى سيبيريا (وتخيل كيف سيتصرف أي وزير لدينا لو قلنا له أمامك شهران فقط لفعل كذا وكذا؛ في حال فشلت سيتم إعدامك أو رميك في الربع الخالي!!)

لم يكن أحد يجرؤ على معارضته أو حتى مناقشته.. فحين أصر مثلاً على امتلاك موسكو خطوط مترو تفوق لندن وواشنطن وباريس قدمت له مخططات المشروع فتساءل: أين الخط الدائري؟.. ثم أتـاه هاتف مهم فوضع كوب القهوة على خريطة المترو فتسبب الكوب بطبع خط دائري فوقها.. مهندسو المشروع خرجوا وهم يتساءلون هل تعني الدائرة التي رسمها بفنجان القهوة إقامة الخط الدائري؟.. وخوفاً من مراجعته قرروا إضافة خط دائري للمترو كلف الملايين.

باختصار لم يكن ستالين يقبل الحلول الوسط ويصر على امتلاك الاتحاد السوفييتي كل ما يملكه الغرب مهما كلف الأمر.. لم يكن يعترف بالعجز الاقتصادي ولا اختفاء الأطعمة من المتاجر (المهم) أن لا تتفوق عليه أميركا ولا يعتقد العالم أن الرأسمالية أفضل من الماركسية.

واليوم حين تتجول في موسكو تكتشف أن كل ما هو عظيم ومهيب (وسوفييتي) بني في زمن ستالين.. ورغم قسوته وطغيانه وجبروته يرى فيه الجيل الحالي رجلاً عظيماً منح الأمة السوفيتية وزناً مهيباً بين الأمم.

وهذا هو حال البشر مع كل الطغاة العظام.

.. يملكون حيالهم مشاعر مختلطة.