فاتح عبد السلام

قبل ثلاثة أيام من موعد اجراء استفتاء انفصال اقليم كردستان العراق ، أقيم في ملعب أربيل الكبير تجمع هائل ، حضر فيه ما لايقل عن مائة ألف من المواطنين معظمهم من أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني وموظفي الاقليم وعامة الناس، ولم يتسع الملعب ، في مدرجاته وأرضه وبقي الألوف في الشوارع المحيطة بالملعب الذي يحمل اسم قيادي كردي أغتيل في أربيل قبل عقدين اسمه فرانسو حريري .

كنتُ يومها في أربيل ، وشاهدت كلّ شيء بنفسي داخل الملعب وخارجه ، حيث ألقى رئيس الاقليم الكردي مسعود بارزاني كلمته الأخيرة في تجمع عام قبل الاستفتاء ، وأكد أنّ كلّ شيء سيمضي كما تمّ إقراره ، وهذا ما حصل فعلاً .

كانت أعلام اقليم كردستان العراق أكثر من عدد الحاضرين بنسبة تصل الى الضعف ، على اعتبار انّ كل الحاضرين كانوا يحملون أكثر من علم واحد ،إمّا بأيديهم أو على ملابسهم أو في قبعات الشمس التي يرتدونها . وكلّما كنتُ أرى علماً مختلفاً وهي قليلة ، اتجه للمكان محاولاً معرفة تابعية ذلك العلم ، وكانت كلها أعلاماً حزبية تتبع الحزب البارتي نفسه. قبل أن تنتهي كلمة بارزاني بخمس دقايق انسحبت من المكان مشياً عائداً ، متوقعا الزحام الشديد ، وكانت الشوارع ملأى بالناس ، ومن بعيد مرقت سيارة حاولت الدخول الى الدائرة المحيطة بشوارع الملعب ، فمنعها الحرس هناك ،وكان فيها شخصان أحدهما يمسك بعلم الاقليم والآخر يمسك بالعلم الاسرائيلي . ما لبثت السيارة أن عادت أدراجها ،وسط استهجان من الناس المحيطين بالمكان ازاء العلم الغريب الذي رأوه أمامهم .حين عدتُ الى الفندق ، سألت عضواً في الحزب الديمقراطي الكردستاني ، عن سبب رفع العلم الاسرائيلي، فقال بهدوء : كم علماً لكردستان رأيت في التجمع الحاشد ؟.قلت له :ربما أكثر من مائة ألف . سألني : هل رأيت علماً اسرائيلياً في أي مكان بالملعب أو حوله؟ . قلت: لا لم أرَ سوى أعلام كردستان بالألوف ، ورويتُ له ما شاهدته في السيارة المارقة الوحيدة على بعد ألف متر عن التجمع . قال :لو نريد أن نرفع أي علم آخر، فلدينا القدرة على ذلك بطرق مختلفة ، لكن قضيتنا واضحة ، والانقسامات الحزبية في الاقليم واضحة أيضاً ، ونحن نعرف الجهة التي حاولت دفع العلم الاسرائيلي الى التجمع لحرف أهداف قضية الاستفتاء ، وتشويه مساعينا المشروعة ، لأنهم خصوم سياسيون يسعون للتسقيط السياسي دائماً . قلتُ : ربّما لأنّهم لا يؤيدون اجراء الاستفتاء أيضاً .

أجاب : ربّما ، ونحن نعرف أنّ هناك بين القوى الكردية معارضين للاستفتاء ، ولهم حساباتهم في ذلك، ولا تنس أنّ الاقليم مستهدف من دول محيطة أيضاً ، وهذا ليس سرّاً.