عبد الله الردادي

انتهت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لروسيا. وهي تعد الأولى لملك سعودي إلى روسيا الاتحادية. وتحمل هذه الزيارة أطباعاً سياسية وعسكرية واقتصادية. قبل هذه الزيارة، كانت القواسم المشتركة بين روسيا والمملكة قليلة جداً، وتنحصر غالباً في النفط. وخلال الأيام القليلة الماضية، زادت هذه العوامل المشتركة بتوقيع اتفاقيات على النطاق العسكري والاستثماري والتقني والصناعي. هدفت هذه الاتفاقيات - كما هدفت الزيارات الملكية خلال الأشهر الماضية - للتركيز على نقل الصناعات العسكرية من دول العالم إلى المملكة، ونقل وتوطين التقنية إلى المملكة، إضافة إلى فتح المجال الاستثماري للشركات الأجنبية في المملكة.

في المجال النفطي، تبرز أهمية هذه الزيارة لأن المملكة وروسيا هما أكبر منتجين للنفط في العالم، ويشكلان معاً ربع الإنتاج العالمي تقريباً. وتم النظر سابقاً إلى علاقة المملكة وروسيا النفطية على أنها علاقة تنافسية، ومجال المنافسة هو السوق الآسيوية، خصوصاً بعد أن تم منع روسيا من دخول أسواق النفط الغربية بعد تدخلها في أوكرانيا عام 2014. وقعت حينها روسيا عقداً مع الصين لتزويدها بالغاز الطبيعي يمتد إلى 30 عاماً. إلا أن أزمة أسعار النفط عام 2015 أوجدت مجالاً للتعاون بين السعودية وروسيا، وتمت اتفاقية بين دول «أوبك» ودول أخرى من ضمنها روسيا، تهدف إلى استقرار أسعار النفط، وتم تمديد هذه الاتفاقية حتى شهر مارس (آذار) العام المقبل، وتجري الآن المحادثات لتمديدها حتى نهاية العام المقبل.

هذه الاتفاقية كانت بداية للتعاون السعودي - الروسي، وفتحت بعدها أبواب التعاون الأخرى، حتى كللت هذه المباحثات بالزيارة الملكية لتوقيع الاتفاقيات التي تمت دراستها خلال العامين السابقين، خصوصاً مع وجود اتجاه واضح لما تحتاجه المملكة لتحقيق «رؤية 2030».

وفي المجال التقني، واصلت المملكة سعيها لنقل وتوطين التقنية من بلدان العالم إلى السعودية، وتم الاتفاق على إنشاء مصانع للأسلحة ونقل تقنية هذه الصناعة إلى المملكة. كما تم توقيع عدة اتفاقيات تشمل الطاقة المتجددة والتعدين. 

وتتركز هذه الاتفاقيات على نقل العلوم والتقنيات من روسيا إلى المملكة بهدف الاستفادة من هذه التقنيات على المستوى الصناعي. ويشكل الاستثمار في الطاقة المتجددة أهمية عظمى للمملكة حتى يتم تقليل الاعتماد الكلي على النفط على النطاق الداخلي أولاً، وحتى تتم الاستفادة بشكل أكبر من هذا النفط ببيعه دولياً بسعر أعلى، بدلاً من استهلاكه محلياً بسعر منخفض. أما في المجال الاستثماري، فقد تم منح عدة شركات روسية تصاريح للاستثمار في المملكة، وتتركز هذه الاستثمارات على التعدين والأسمدة، كما تم فتح المجال أمام الشركات الروسية للبحث عن الفرص الاستثمارية بالمملكة، سعياً من المملكة للوصول بالاستثمار الأجنبي إلى نسبة 5.7 في المائة من الناتج المحلي، وصعوداً بالقطاع الخاص حتى يشكل ما بين 40 و60 في المائة من الناتج القومي.

بعد هذه الزيارة، لم تعد العلاقة بين المملكة وروسيا تنحصر في النفط فقط؛ بل تعدتها إلى أن تكون شراكة استراتيجية، وتحولت هذه العلاقة من علاقة تنافسية على السوق الآسيوية، إلى علاقة استثمارية ومصالح متبادلة. ولا لوم على من حاول اختزال هذه الزيارة بسلّم معطّل أو بصفقة سلاح أو بعدد الحاشية، فليس من المصلحة الاقتصادية لكثير من الدول أن تقوم شراكة بين المملكة وروسيا؛ بل من مصلحتهم أن تكون المنافسة قائمة بشكل مستمر بين أكبر منتجين للنفط في العالم. وليس من المصلحة السياسية للبعض الآخر أن يفتح باب شراء الأسلحة من البلدين، بل من مصلحتهم أن يكون اعتماد المملكة على دول محددة، وألا تزيد خيارات المملكة في الأسلحة عما هي عليه الآن.

الزيارة الملكية هي استمرار لسياسات المملكة الخارجية خلال الأشهر القليلة الماضية، فبدءاً من الاتفاقية مع الولايات المتحدة، مروراً بالصين، ها هي المملكة الآن تكمل عقد الاتفاقيات بالاتفاق مع روسيا الاتحادية. وقد سبق للمملكة أيضاً التعاون مع اليابان من خلال صندوق الرؤية التقني بشراكة مع «سوفت بنك» الياباني بميزانية بحث تقنية تصل إلى مائة مليار دولار. والمتأمل في هذه الاتفاقية بين المملكة وروسيا يجد كثيراً من العوامل المشتركة بينها وبين سابقاتها، مثل نقل صناعات الأسلحة وتوطين التقنية والاستثمار في الطاقة وجلب الاستثمارات الخارجية للمملكة... وهي الأهداف ذاتها المعلن عنها في «رؤية المملكة». ويرى كثير من المحللين أن المملكة قد تتجه مستقبلاً لدول أخرى مثل الهند، لتزيد بذلك حلفاءها الاقتصاديين حول العالم.