أحمد الفراج

ما هو الإرهاب، ومن هو الذي يستحق أن يطلق عليه لقب إرهابي، وهل يتعامل الساسة والإعلاميون الغربيون وفق معايير موضوعية، ومعطيات محددة، عندما يتعلق الأمر بالإرهاب؟!. هذه الأسئلة وغيرها كثير، تم طرحها، خلال الأعوام الماضية، ولكننا اليوم أكثر إلحاحًا لتجديد طرحها، ومناقشتها، وأقول ذلك، بعد المجزرة الكبرى، التي ارتكبها مواطن أمريكي أبيض، في مدينة لاس فيجاس، عاصمة القمار العالمية، التي تقبع في ولاية نيفادا الصحراوية، التي لا تشبه أمريكا، فهي صحراء حارقة، تشبه تضاريسها وأجواؤها أجواء الجزيرة العربية، ولأن هذه الولاية فقيرة الموارد، فقد تفتقت عبقرية صناع الاقتصاد الرأسمالي، واختاروها لتكون أيقونة حفلات القمار، وبالتالي أصبحت مدينة لاس فيجاس من أشهر مدن العالم.

قبل عدة أيام، استأجر المواطن الأمريكي، ستيفن بادوك، جناحًا في أحد فنادق مدينة لاس فيجاس، وكان هذا الجناح يطل على ساحة، كانت تقام فيها حفلة موسيقية، وفي أثناء الحفل، بدأ ستيفن، الذي كان يتسلح بمجموعة من البنادق والرشاشات، إطلاق النار على الحضور، ما أحدث حالة رعب، ونتج عن الحادثة مقتل 59 شخصًا، وإصابة أكثر من 500، وقد اتفق الجميع على أن هذه الحادثة، هي ثاني أكبر جريمة في التاريخ الأمريكي، على اعتبار أن أحداث سبتمبر 2001 كانت هي الأسوأ، وتفاعلت وسائل الإعلام الأمريكية مع الحدث، كما استنفرت حكومة الولاية، والحكومة الفيدرالية في واشنطن، وزار الرئيس ترمب المدينة، وهذا كله متوقع. هذا، ولكن لم يصف أحد هذا المجرم بالإرهابي!، فقد أطلقوا عليه كل أشكال النعوت، عدا كلمة «إرهابي»، وأشير هنا إلى أن هناك، في امريكا، مطالبات شعبية لا تتوقف، تطالب بسنّ قوانين، تتعلق بشراء واقتناء السلاح، ولكنّ الساسة عاجزون عن مجابهة منظمة أنصار حمل السلاح، التي تعد من أقوى لوبيات الضغط في واشنطن!.

لماذا تلكأ معظم الساسة والإعلاميين الأمريكيين في وصف مرتكب هذه الجريمة بالإرهابي، مع أنه قتل وأصاب المئات من الأبرياء؟، وهل هو فعلاً إرهابي، أم مجرد قاتل مجنون، لأن هناك من يرى أن «الإرهابي» هو: «من يقتل، استجابة لايدولوجيا دينية متطرفة، أو تعصبًا لعرق معيّن»، والفاعل في جريمة فيجاس ليس متطرفًا دينيًا، ولا عنصريًا، حسب المعلومات المتاحة حتى اليوم، ولكن مهلاً، فماذا عن العنصري والمتطرف المسيحي، الذي قتل مجموعة من السود، وهم يتعبدون في كنيسة، بولاية جنوب كارولينا الأمريكية قبل سنتين، إذ لم يوصف بالإرهابي، أيضًا!، وقد طرح بعض الإعلاميين الغربيين هذا السؤال: «ماذا لو كان القاتل في جريمة فيجاس مسلمًا؟!»، ثم أكدوا على أنه كان سيطلق عليه لقب «إرهابي» حتمًا، لأن هذا الوصف يطلق دائمًا على أي مسلم يرتكب جريمة مماثلة، أو حتى أقل شأنًا، وأضافوا أن ساسة الغرب والإعلاميين يتحاشون إطلاق كلمة «إرهابي» على الشخص الأبيض المسيحي، مهما كانت شناعة جريمته، كما حدث في لاس فيجاس، وقبلها في جنوب كارولينا، وطالما أثار بعض الإعلاميين الغربيين هذه النقطة، بعد حادثة فيجاس، فسأطرح هذا السؤال: «هل تظنون أن هناك تحيّزًا، وازدواجية معايير غربية في وصف الجرائم؟»، وسأترك الإجابة لكم هذه المرة!