أمل عبد العزيز الهزاني

 إحدى أهم نتائج زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا الأسبوع الماضي، هي اللقاء الذي جمعه مع زعماء الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد الروسي في محل إقامته. الإسلام في روسيا، خصوصاً في الجمهوريات الغربية مثل داغستان والشيشان وإنغوشيا في منطقة القوقاز، ووسط روسيا مثل جمهورية تتارستان في الفولغا، أعطى وزناً للمسلمين كأكبر أقلية دينية في الدولة. ورغم ما لحقهم من تضييق خلال فترة الاتحاد السوفياتي وحرب أفغانستان والشيشان وخوف الحكومة الاتحادية من انتشار الإسلام السياسي الذي كان يشكل تهديداً مباشراً لاستقرار الدولة، فإن الجمهوريات الإسلامية قاومت هذا الواقع بمحاولة تعزيز انتمائها الوطني، لكنها ظلت تشعر بأنها في شبه عزلة عن العالم الإسلامي الواسع حتى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في عام 1991.

25 مليون مسلم في روسيا، يساوي تقريباً عدد سكان المملكة العربية السعودية، ويعتبر رقماً ضخماً لا يوجد في أي بلد أوروبي، ويستحق من المملكة التي تحتضن الحرمين الشريفين مزيداً من التقارب والدعم، والتواصل المستمر الذي من شأنه تعزيز الوجود الإسلامي، وكذلك حمايته من سمعة الإرهاب، كون السعودية تدفع بمكافحة الإرهاب إلى واجهة العالم، وتبذل في هذا الجانب كثيراً من الجهد والمال. كما أن احتضان المسلمين في روسيا عقدياً يحميهم من الانزلاق في التطرف، أو جعلهم لقمة سائغة للدول التي تتاجر بالدين وتمنيهم بالقوة السياسية، وتستهدفهم لإخراجهم من حيز الإيمان والتعبد وإغوائهم بالطموحات والأطماع السياسية.
الملك سلمان التقى خلال زيارته التاريخية إلى روسيا أكبر الزعامات الإسلامية من مفتين ورؤساء مراكز وجمعيات إسلامية. هذا اللقاء بالنسبة لهم بمثابة بداية حبل الوصل الذي يرجونه منذ عقود، ويرسخ لفكرة الوسطية والإسلام المعتدل، خصوصاً أن هذه الزعامات تمثل ثقلاً بين المسلمين هناك وبوصلة لمنهج الاعتناق والاعتقاد. احتفاء كبير حظي به الملك سلمان من الزعامات الإسلامية، لأنهم يرون في شخصه قائداً للعالم الإسلامي ومعنياً بشأنهم، ولذا رحب الملك باقتراح رئيس جمهورية تتارستان، رستم مينيخانوف، استضافة المملكة الاجتماع المقبل لمجموعة «روسيا - العالم الإسلامي» التي يرأسها مينيخانوف وتأسست عام 2006، وهي مجموعة نشطة تركز على وضع رؤية استراتيجية للتقارب بين روسيا والعالم الإسلامي، ولها دور أساسي في تعزيز التقارب مع الدول الإسلامية. وكانت فرصة كشف خلالها رئيس جمعية فقهاء المسلمين في روسيا، تلغات خازرات، عن تاريخ تطور وانتشار الإسلام في روسيا، وأعلن عن افتتاح الأكاديمية الإسلامية البلغارية في جمهورية تتارستان. ومع أن روسيا انضمت إلى منظمة العالم الإسلامي بصفة مراقب، إلا أن مسلميها لا يزالون يشعرون أنهم بحاجة إلى مزيد من التواصل مع الدول الإسلامية.
مسلمو روسيا متحمسون ويسعون لتقارب أكبر مع العالم الإسلامي، ويعولون على الملك سلمان أن يتبنى هذا التقارب كجزء من خدمة المملكة للمسلمين في أنحاء العالم.
ولا بد من الإشارة إلى أن الوجود الإسلامي في دولة كبرى مثل روسيا يعتبر قوة إضافية للمملكة في ترسيخ العلاقة مع الدولة الاتحادية، كون المسلمين في العالم عامة يكنون احتراماً جماً للمملكة وقيادتها، ما يعطي ثقلاً للمملكة داخل روسيا التي يمثل المسلمون فيها 20 في المائة من حجم السكان. إضافة إلى أنه يفضي إلى اطمئنان القيادة الروسية بأن الكتلة المسلمة محتضنة من قبل دولة تثق بأهدافها وتوجهاتها الدينية بعيداً عن التسييس والطموحات العابرة.
زيارة العاهل السعودي كانت لافتة من خلال حجم الصفقات ومذكرات التفاهم التي تناولت موضوعات الطاقة وشراء منظومة دفاع متقدمة، وتوطين صناعة الأسلحة في المملكة وحجماً هائلاً من الاستثمارات، لكنها أيضاً عرجت على أهم عامل لقوة المملكة داخل روسيا وهي الجمهوريات الإسلامية. وحسناً فعل وزير الإعلام السعودي الدكتور عواد العواد بقرار افتتاح مكتب إعلامي سعودي في موسكو. ومع أن المكتب سيمثل جسراً للتواصل الثقافي بين البلدين على المستوى الأكاديمي والفني والبحثي، إلا أن التواصل بشتى اتجاهاته سيمنح مسلمي روسيا ثقة ووزناً داخل مجتمعهم، ويمكنهم من التسويق لأنشطتهم ودعمهم لتمكينهم من ممارسة شعائرهم والتوسع فيها تحت مظلة الدولة التي أخذت على عاتقها نبذ الإسلام المتطرف وترسيخ مفهوم الإسلام المعتدل.
مسلمو روسيا احتفوا بزيارة أول ملك سعودي، وأول خادم للحرمين الشريفين، ويعلقون آمالهم على هذه الزيارة بأنها باكورة التطور الإيجابي في العلاقات، وبأنها ستفتح لهم أبواباً واسعة على العالم الإسلامي وتمنحهم سنداً وقوة مجتمعية.