سمير عطا الله

 فلنضعها في بداية الكلام، بدل أن تكون حاشية في آخره، لأنها أهم ما فيه. وهي عندما نقول «العرب»، في معرض النقد والشكوى، لا نعني كل العرب، ولا صفوتهم، ولا الطيبين فيهم، وإنما نعني الرعاع من ضعاف العقل وفقراء الذمة.

هذا أكتوبر (تشرين الأول)، وهذه ذكراه من جديد. وقبله يونيو (حزيران) و5 حزيرانه. ماذا حدث عام 1967؟ شمت العرب جميعاً بمصر. تحدثوا وكتبوا فرحاً عن الأحذية التي تركها الجنود المصريون وهم يهربون في سيناء. كتبنا الشعر في هجاء مصر، واستعدنا حقد المتنبي على كافور، متجاهلين أنها مسألة شخصية بين شاعر له طلب وحاكم قليل الدراية بأهواء الشعراء.
وبعد نصف عقد فقط، عبر الجيش المصري قناة السويس عاري الرأس، وألحق بالغطرسة الإسرائيلية أهم أمثولة في تاريخهم العسكري. واضطرت أميركا إلى إقامة أكبر جسر جوي في تاريخها لإنقاذ إسرائيل، بعدما هددت غولدا مائير باللجوء إلى السلاح النووي إذا ما مضى الانتصار المصري في طريقه.
فماذا قالت «العرب» هذه المرة؟ قالت، لا انتصار ولا من ينتصرون. مجرد «بولوتيكا» مدبرة بين السادات وأميركا وإسرائيل. وحلل فهلويو العرب وخبراؤهم وأنشامهم الوضع الاستراتيجي من كل جوانبه. وطلع معهم أن أنور السادات خائن، وليس منتصراً، وأن إسرائيل خسرت أمامه أكبر عدد من قتلاها في كل الحروب، مسايرة له. هذا كان دورها «البولوتيكا»، وكذلك كان دور الأردن الذي خسر القدس وعشرة آلاف قتيل، وكذلك كان دور سوريا.
مشكلة الثرثرة العربية أنها سمجة وخالية من الذوق ومن المخيلة. تنابل مقاه يلهون ويلغون فوق جثث آلاف الضحايا. المشكلة ليست ضعفهم العقلي، بل ضعفهم الخلقي. كنت قبل أيام في غداء حضره عدد كبير من السياسيين اللبنانيين. وأشار إليّ صديق قديم من بعيد أن أذهب إليه، وقال لي هامساً وهو يتأكد من أن الذين حولنا لا يسمعون: «هل صحيح أن أم مسعود بارزاني يهودية؟»، أجبت بأنني لا أعرف. الذي أعرفه أن هذا الكلام قيل عن أم السادات وأم ياسر عرفات وأم معمر القذافي وأم أبو إياد، وجميعهم ولدوا في بلدات تعرف فيها الناس أسماء بعضهم البعض. محزنة، مرت ذكرى 6 أكتوبر، التي قتل بطلها برصاص انتصاره.