قينان الغامدي

ما زالت الحاجة ملحة لإصدار قانون «مكافحة العنصرية» لأنه سيقضي على ما نراه بين الحين والآخر من إثارة طائفية مذهبية، أو نعرات قبلية، أو أي نوع من أنواع العنصرية

أعتقد أن الغالبية العظمى من البشر يودون العيش بسلام وأمان، ولا يريدون أن يروا ما تشهده بعض بقاع العالم من توترات وحروب، ولا يقرون أي تصنيف للبشر حسب ألوانهم أو أعراقهم أو عقائدهم أو مذاهبهم، فالغالبية العظمى من البشر مسالمون لا يعنيهم إن كان الآخر الذي يعيش معهم على دينهم أو على معتقد مختلف، كما لا يعنيهم لونه أو عرقه، وإنما المهم أخلاقه وتعامله، وهذا ما حث عليه ديننا الإسلامي العظيم، والمسلمون جميعا يعلمون أن الدين المعاملة، لأن العبادة أمر خاص بين العبد وربه ولا علاقة ولا دخل لبشر في هذه العلاقة الروحية الخاصة!!
ولاشك أن نشر هذه الرؤية في التعايش الإنساني تعتبر مهمة، بل إنها تتصدر في الاهتمام كل ما عداها من أمور الدعوة والتوعية، ومن الطبيعي أن يتم ضبطها بقوانين وأنظمة تحظر أي مساس بحرية الفرد في حياته اليومية ومعتقداته وسلوكياته الخاصة، وضرورة هذه القوانين والأنظمة تتجلى حين نعلم أن البشر ليسوا سواسية في الفهم والوعي، وفي إدراك حدود الحرية الفردية التي يجب أن لا يتجاوزوها، سيما إذا علمنا أن هناك في كل بلد أفراد ومجموعات لها مصالح في إفساد التعايش بين الناس، فيسعون إلى إثارة النعرات القومية والعرقية والطائفية، وكل ما ينتمي في هذا الباب إلى العنصرية البغيضة!!. 
القوانين والأنظمة نجحت في كبح جماح العنصرية بصورة كبيرة في دول العالم المتقدم، ولذلك تقل فيه مشكلات العنصرية، إما خوفا من العقوبات، وأما لوعي إنساني تجذر مع الزمن!!. 
في المملكة ما زالت الحاجة ملحة لإصدار قانون «مكافحة العنصرية» لأنه سيقضي على ما نراه بين الحين والآخر من إثارة طائفية مذهبية، أو نعرات قبلية، أو أي نوع من أنواع العنصرية التي يمكن أن يمارسها فرد أو مجموعة نحو غيرهم، جهلا أو قصدا، ولعل الكل يعلم التأثير السلبي الجسيم من جراء هذه الممارسات العنصرية على الوحدة الوطنية، والأمن، وجمال التعايش الطبيعي!!. 
ومع هذا القانون الصارم لا بد أن يكون لدينا جهود توعوية منتظمة عبر مختلف الوسائل، ولعل مركز الحوار الوطني مؤهل للقيام بهذه المهمة داخل بلادنا عبر مؤتمرات ومحاضرات وحملات إعلامية مختلفة، وذلك ليتوج جهود المملكة في الداخل والخارج، في محاربة التطرف والإرهاب، وتكريس التعايش بين أتباع الديانات المختلفة، وتجسير التواصل بين هؤلاء الأتباع لتفهم معتقدات بعضهم بعضا، ولإيجاد قنوات وعي تكرس التعايش السلمي 
الذي تدعو إليه مختلف الشرائع والأعراف!!. 
رابطة العالم الإسلام نظمت مؤتمر (التواصل الحضاري بين الولايات المتحدة الأميركية والعالم الإسلامي) في مدينة نيويورك الأميركية خلال الفترة من 16-17 سبتمبر 2017، بمشاركة نحو 450 مشاركا ينتمون لأكثر من 56 دولة، من الأكاديميين والباحثين وقادة العمل الديني والسياسي والاجتماعي، وذوي العلم والفكر والرأي). وقد نجح المؤتمر كخطوة أولى في التذكير بحضارة الإسلام وتجربته التاريخية الرائدة في الانفتاح على الحضارات الأخرى والتى تؤكد مفاهيم التبادل الثقافى والمعرفي والتواصل الحضاري بين الشعوب، كما أبرز المؤتمر دور المملكة العربية السعودية، وجهودها في مكافحة التطرف والإرهاب. 
وأثناء اجتماع خادم الحرمين الشريفين في موسكو السبت الماضي برؤساء الجمهوريات الروسية ذات الغالبية السكانية المسلمة وجه باستضافة الاجتماع المقبل لمجموعة (روسيا - العالم الإسلامي - حوار استراتيجي)، وهي مجموعة تواصل جهودها في تكريس التقارب والتعايش منذ عام 2006. 
هذه الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة، تهدف إلى التوضيح للعالم كله سعيها للسلام والتعايش الحضاري، منطلقة من الأساس الإسلامي الذي قامت عليه. 
وما أحوجنا في الداخل إلى جهد مماثل يمهد ويتوج قانون مكافحة العنصرية المنتظر، الذي تقاعس عنه مجلس الشورى سنوات عديدة، ولهذا فأملنا أن توجه به قيادتنا الرشيدة كما وجهت بقرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، وقانون مكافحة التحرش، متجاوزة بذلك تقاعس «الشورى» وتبريراته الواهية!!.