أحمد يوسف أحمد

 أرشيف الكاتب مثل التوصل إلى المصالحة الفلسطينية الأخيرة بين «فتح» و«حماس» خطوة حقيقية في الطريق إلى مصالحة وطنية طال انتظارها، وقد تميز الإنجاز الأخير بأنه وضع قدميه على بداية طريق التطبيق العملي فكم من المصالحات تم الاتفاق عليها دون أن يكون لها أدنى نصيب من التنفيذ، ولكن في هذه المرة وجدنا أن «حماس» تحل لجنتها الإدارية، ورئيس حكومة الوفاق الوطني يصل إلى غزة لبدء ممارسة مهامه، كما أن ثمة اتفاقاً لعقد اجتماعات في القاهرة بين «فتح» و«حماس» لمناقشة التفاصيل والقضايا الخلافية. وعلى رغم أن ما حدث يمثل إنجازاً كبيراً في حد ذاته إلا أن هذا قد لا يعني بالضرورة أن الطريق معبد أمامه لتنفيذ سلس، ذلك أن ثمة تحديات حقيقية تواجهه ينبغي التحسب لها منذ الآن إذا أردنا الحفاظ على هذا الإنجاز باعتباره يمثل الخطوة الأولى لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي هي شرط ضروري لتعزيز الوضع الفلسطيني في أي مفاوضات قادمة، أو أي خطى تُتخذ أو حتى يتم التفكير فيها لاستعادة الحقوق الفلسطينية، وأركز فيما يلي على تحديين رئيسيين.

والتحدي الأول ينبع من طرفي المصالحة ذاتها، فمن المعروف أنه في مقابل القوى التي كانت ترى ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية كان هناك من يفضل أن يكون الحل بالإزاحة أي بالانتصار على الخصم، ولذلك ليس غريباً أن يوجد داخل كل طرف من يعارض هذه المصالحة. وربما يكون هذا الاعتراض أوضح على جانب «حماس» لأنها تنازلت عن سلطتها في القطاع لصالح حكومة الوفاق الوطني، وفي هذا الإطار ترددت شائعات تم نفيها عن تحديد إقامة بعض قادة «حماس» المعترضين على الاتفاق. صحيح أن الأمور كانت قد تأزمت في القطاع إلى الحد الذي جعل التخلي عن السلطة بديلاً مريحاً، غير أن مشكلة «حماس» لا تنبع من مسألة السلطة السياسية فحسب، وإنما هي تكمن أساساً في مسألة السلاح، فمن المعروف أن لـ«حماس» قوة مسلحة كانت السبب الأصلي في الانشقاق بينها وبين «فتح» في 2007، ولذلك فإنه بينما كان تخلي «حماس» عن السلطة السياسية ممكناً للمأزق الذي كانت تواجهه في إدارة القطاع فإن تخليها عن قوتها العسكرية بالمنطق السياسي مستحيل لأنه يعني انتقاصاً جذرياً من وزنها في السياسة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه فإن احتفاظها بهذه القوة مستحيل أيضاً دون ترتيبات توافقية لأن ذلك سيعني ببساطة تكرار تجربة «حزب الله» في لبنان الذي يشارك في الحكم ولكنه يتبع سياسة خارجية خاصة به لا يلتزم بموجبها بالضرورة بسياسة الدولة كما نرى على سبيل المثال في الصراع السوري الحالي. وهو بديل مستحيل في الحالة الفلسطينية أولاً لأن إسرائيل لن تقبل به وهي قوة الاحتلال التي يسعى الفلسطينيون للحصول على موافقتها على التسوية المطلوبة، وثانياً لأنه يعني ببساطة تقويض جوهر المصالحة لاستمرار وجود رأسين للسلطة في فلسطين. ومن ناحية أخرى فإن تصفية قوة «حماس» العسكرية ستعني بقاء الفلسطينيين دون جدار يستندون إليه حال استمرار إسرائيل في موقفها الرافض للحد الأدنى من التنازلات المطلوبة للتوصل إلى تسوية مقبولة. وهذا تحدٍ ضخم لعل الاجتماعات الوشيكة بين طرفي المصالحة تتوصل إلى وسيلة ناجعة لمواجهته، وقد يكون الحل هو الإبقاء على القوة العسكرية لـ«حماس» مع إخضاعها للقرار الفلسطيني الموحد.

أما التحدي الثاني فينبثق من الموقف الإسرائيلي، والمعضلة هنا أنه بينما مثلت المصالحة دون شك إضافة مطلوبة لقوة الطرف الفلسطيني فإن إسرائيل لا يمكن أن تقبل التفاوض مع حكومة تشارك فيها «حماس» دون أن تقبل صراحة بما تقبل به السلطة الفلسطينية، وهو الاستعداد للاعتراف بإسرائيل في إطار تسوية نهائية وليس «هدنة» كما تقول «حماس». ورأيي أن تفعل ذلك على غم أنه سيكون قراراً صعباً على قواعدها التي تمت تنشئتها عبر العقود على شعار «من النهر إلى البحر» لأن إسرائيل حتى لو فعلت «حماس» ذلك سوف «تُبدع» في التعنت بما يفضحها أمام العالم ويسمح لنا بالتفكير في مقاربات جديدة.