علي سعد الموسى

كنا مجموعة آراء متباينة في مجلس خاص عندما طرح أحدهم سؤال الاستقصاء ممزوجاً بالمخاوف، لما قد يحدث حين تعود المرأة إلى وضعها وحقها الطبيعي، بائعة في متجر أو قائدة لسيارة أو محاضرة في قاعة جامعية أو أي شيء آخر من مناشط الحياة وفق الضوابط الشرعية وتلقائية الضرورة. ومن الخطأ بمكان تبسيط الاحتمالات المتوقعة بالقول إن شيئاً ما لن يحدث. ومن الخطأ الأكبر المقابل تهويل وتضخيم الأمور، فالتصوير الكوارثي لمستقبل الاحتمالات يطال للأسف الشديد عفة المرأة وكرامتها ويمتد إلى دينها وشرفها. 
بعض الخطابات المريضة ليست بأكثر من تصوير شيطاني للأنثى، فلا يرى فيها إلا نفساً ظامئة للخطيئة والرذيلة مع أول فرصة. وجهة نظري أننا سندفع لما يقرب من خمس سنوات قادمة ضريبة العزل التاريخي الذي فرضناه على المرأة لأكثر من خمسين سنة. بعدها ستبدو الأمور طبيعية. في هذه المرحلة تحتاج المرأة وأيضاً المجتمع إلى ما يشبه التأهيل على المشاركة والتدريب على حتمية الشراكة. في هذه المرحلة ستخرج المرأة خائفة مرتبكة لأنه شوط من الحياة أريد لها أن لا تلعبه ولا تعتد عليه، وسيقابلها الرجل بالشكوك والظنون لأن هذه هي الذهنية التي تربى عليها وفق تراتيل البطركية الذكورية.
دعوني أكتب لكم هذه القصة الواقعية التي قد تشرح ما كان وسيكون في تقابلية المرأة والمجتمع وضرائب العزل الجبري ثم الخروج منه.
في أيام الجهل والفقر، وفي قرية جبلية مثلجة أصيبت «ن» بما استطعنا بعد عقود تشخيصه على أنه حالة اكتئاب قاسية، كان بالقرى من حولنا بالكاد بضعة رجال قارئين للقرآن، وكانوا يجتهدون معها للعلاج بالرقية. كانت البيئة مدقعة تضطر أهلها إلى نجدة المشعوذين والسحرة. لم يتركوا وسيلة من المتاح حتى جاء للقرية مشعوذ من اليمن تحت مسمى «المروعي»، وهو من طائفة شهيرة تحت هذا الاسم تقتات على مزج الطبابة بالشعوذة. أقنع أهلها أن علاجها يكمن في بقائها داخل غرفة سوداء مظلمة لمدة عام كامل. سدوا الشبابيك بالخلب وتركوا بالباب فتحة صغيرة جداً تسمح بإناء الماء والخبز وإخراج فضلاتها منه في إناء آخر. من عيد رمضان إلى العيد التالي وهي لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم. وحين خرجت باتت كسيحة حياة. عظام هشة وبصر رديء وجسد ناحل. فقدت كل مهارات الحياة إلى الحد الذي كانت معه تخرج للشارع شبه عارية. ظلت خائفة من كل شيء حتى الاقتراب من بهائم الأنعام، فما بالك بالبشر، ظلت بعدها مدة طويلة تكره النهار وتخاف من الشمس فلا تخرج إلا في الليل. دخلت غرفة العزل مريضة اكتئاب فقط فتطورت الحالة إلى انفصام. متن قصتها لا يحتاج إلى هامش شرح.